أدبيات الصحيفة

(التفكير الناقد أم الفاقد!! )

 

(هل أنا أنا؟ هل جسدي لي أم لأحد آخر؟ هل أنا هذا الجسد الذي هو جسدي؟)
قد يتبادر لأذهان البعض بأن هذه الأسئلة جزء من مسرحية فلسفية قاتمة لإفلاطون، أو أنها مقطع من نص في كتاب ردئ المستوى ،
أو ربما حوار متذاكي لبطل رواية مملة، الحقيقة أنها ليست كل ذلك، بل هي أسئلة تطبيقية لمادة التفكير الناقد في المرحلة المتوسطة في التعليم.
حين قرأتها اعترتني موجة من عدم التصديق،
حيث كانت رسالتي في الدكتوراه حول “تنمية مهارات التفكير الناقد لدى الناشئة في السعودية” أي وكأنها قد فصلت تفصيلا للمرحلة المتوسطة و بالتالي بحثت وقرأت عشرات الكتب وتناولت مهاراته و مفهومه بالتفصيل و الإسهاب وعليه فإن هذه الأسئلة إنما هي
فلسفة سفسطائية مقيتة، لاتمت للتفكير الناقد بصلة، بل إن لهذه الأسئلة بنصها المكتوب مثالب وسلبيات تتمثل فيما يلي:-
أولا: هذه التساؤلات تعد من أنواع الجدل العقيم الذي يثير الحيرة ولايلمح بوجود إجابات شافية لسذاجتها ربما او لأسباب أخرى، مما يصنع أمواجا من الشك و الفوضى الفكرية دونما طائل، كما أنها من العهود الغابرة التي أكل عليها الزمان وشرب فإثارة هذه النوعية من التساؤلات لايخدمها أي من مهارات التفكير مثل التحليل والتخيل بشكل منطقي بل فيها إلغاء للعقل والمنطق َ والضياع في ترهات الحيرة بحجة أنها أسئلة رائعة لتحريك الفكر وهذا غير صائب فهناك تطبيقات مقننة و رائعة تحقق هذا الهدف ولاغبار عليها ولاضرر منها.

ثانيا :هذه الهرطقة تقود لبلبلة نفسية و فكرية ومزيد من الشك وعدم الاتزان الشخصي، بل وربما تكون بوابة لخلل عقدي ينادي بفكرة فصل الروح عن الجسد، بل إنها قد تقود لشك حول كينونة فكرة وجود الإله الواحد من خلال التجرؤ على إطلاق أسئلة جريئة ومبتكرة مما يسوغ للإلحاد لاسمح الله، خاصة في ظل واقع يفيد بأن كثير من عناصر جيل اليوم لديه مالديه من الزعزعة الدينية و عدم الثبات و التشتت الفكري والديني خاصة فيما يخص الثوابت من قرآن وسنة ويسهل اختراق قناعاته أحيانا.
يعرف التفكير الناقد بأنه :
“عملية نشطة باستخدام المهارات العقلية لتفنيد المعلومات و الوصول إلى أحكام”.
ويشمل مهارات كثيرة دنيا وعليا من تذكر وتخيل واستنتاج و لأغراض كثيرة أهمها غربلة المعلومة، الوصول للحقيقة، إلى آخره.
وهذه الأسئلة لاتفي لتحقيق هذا الغرض،
كون العلاقة بين جسد الإنسان و نفسه و روحه علاقة قوية منطقية فطرية فما الحكمة من التساؤلات حولها وبعض الطلاب لاينقصهم فصام و مشاكل نفسية قائمة،
وقد تؤدي لتأصيل فكرة استقلالية الجسد وبالتالي التمهيد للرذيلة و تقبل حدوثها.

رابعا: التفكير الناقد له فوائد لتحسين الاتجاهات و القناعات وصحة الأفكار لا تشويشها و هناك تطبيقات مقننة رائعة لذلك.
وأخيرا يلح علي سؤال موجع، أتساءل متعجبة كيف أن القرآن وحفظه و السنة والنهل منها واللغة العربية وإتقانها، كل ذلك تم تقنينه و تهميشه بدرجة كبيرة بحجة صعوبة المحتوى وقسوة المهام على الطلاب وأذهانهم الطرية !!.
ترى ما تأثير هذه الهرطقة على براءة عقولهم إذن هل هي هينة لينة ظريفة على جوارحهم و ألبابهم؟!!
وهل تصح لتكون من أدوات السبيل لتقدم الأمة وناشئيها و الارتقاء بتفكيرهم! ؟
الإجابة واضحة في طيات مقالي هذا ولكم الحكم.
أرجو من لجان وضع المقررات في وزارة التعليم و نحن نشيد بجهودهم ونوقن بجودة سياستهم ومناهجههم، فقط نرجو منهم مراجعة هذا الكتاب و محتواه حرصا على مصلحة أبنائنا وعقولهم و نفسياتهم بما يليق بجهود بلادنا العزيزة الجبارة للتقدم و الازدهار.
كما نأمل عودة مقررات تعني بعلوم كتابنا العزيز وحفظ جله وفهمه والسنة وعلوم الحديث واللغة العربية وفنونها وعلومها بدون إفراط أو تفريط بما يضمن سلامة الهوية الإسلامية الوسطية الجميلة.
.
فكر..
تعني أعمل عقلك،
بما يفيد وينتج ثمارا وحكما صائبا.

د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى