مقالات مجد الوطن

ما دام الحديث عن القدوات.. أنت تتبع من ؟!

 

بقلم/ حسين بن سعيد الحسنية

h_alhasaneih@

 

 

الإنسان مفطور في دنياه على التأثّر بغيره، فهو من أوّل أيّامه يسعى لتقليد من حوله، وعلى طاعة من يوجّهه، وعلى الضحك مع من يضاحكه، وعلى الهرولة عبثاً خلف من يسير قدّامه، فإذا كبر قليلاً بدأ يميّز من هو الأقرب بين أولئك الذين يعيش بينهم، فلا يجد أقرب من أمّه إذْ هو قطعة منها وهي من ترضعه من حليبها وتسْكنه في حجرها وتخلّصه من الأذى وتحميه من المخاطر فلا يأمن إلّا معها، حتى إذا كان بعيدا عنها صرخ باسمها لتقترب منه، وإذا هجم عليه شيء لاذ بها، وإذا أفجعه أمر قال: يا أمّه، ثم يأتي دور الأب بعد أن يكبر هذا الابن قليلاً فيدرك أن والده هو ربّ البيت، إذاً فهو قدوة من فيه جميعهم، فيتأمّل في دخوله وخروجه وفي كلامه وصمته وفي رضاه وغضبه وفي نصحه وإرشاداته، فيتكوّن هذا الابن على كثير من الخصائص والأساليب والممارسات التي أخذها من والده، فتجده يتمثّل بشجاعته، ويقلّد حركاته أثناء ممارسته القيادة في البيت، وتجده يسعى بأن يكون رجلاً كأبيه، لأنّه وجد فيه روح القيادة وصفة الشجاعة وفرض السيطرة، فيريد أن يكون مثله، فيكبر ذلك الولد فيختلط بزملائه في المدرسة أو الحي أو المسجد، فيجد في أحدهم صفات أعجبته أو خصائص راقت له فيريد أن يحاكي أسلوبه أو يقلّد شخصيّته، فيكوّن له قدوات خارج البيت يسعى بأن يكون مثلها أو قريباً منها، فإذا أصبح الولد رجلاً وأضحى له حضور هنا وهناك، وبدأ يحمل شيئاً من المسؤوليات تتغير أموراً كثيرةً في حياته، ومن أهمّها القدوات التي يتأثّر بها متابعةً وتقليداً ومحاكاةً، ويعود ذلك لما يحبّه من أساليب وطرق ومهارات وعلاقات وغيرها.

 

 

فتجد من يعتبر العالِم الأستاذ قدوة له، ومن يجعل التاجر المليونير أسوة له، ومن يضع لاعب الكرة رمزاً له، ومن يفتخر بأنّ المفكّر أو المثقّف متبوع له، بل إنّ هناك – ولا تستغرب من هذا – مَن تأثر باللاهي العابث الفارغ وجعله قدوة له للأسف الشديد، والناس في ما يعشقون مذاهبُ.

 

 

إذاً فأمر القدوات أمر مهم وخطير في نفس الوقت وذلك لعدة أسباب:

أولها: أنّ فطرة الإنسان مجبولة على أن يكون لها سائق ورائد وقدوة،

وثانيها: أنّ الناس يتأثرون ببعضهم البعض تأثراً كبيراً لمجموعة من العوامل والمصالح,

وثالثها: أنّ تأثر الناس بعضهم ببعض قد يكون تأثرا ًإيجابيّاً وهذا أمر محمود، وقد يكون هذا التأثر تأثراً سلبيّاً وهو المقلق والخطير أيضا،

ورابعها: أنّ من القدوات من عَمِلَ على أن يكون له أتباع للتأثير عليهم وجذبهم إلي صفّه ودعوتهم للتأثّر به، وكلّ على ما عزم في قلبه وجدّ في مسيرته،

وخامسها: القدوة غالباً يكون على مستوى الأمّة أو المجتمع الذي يعيش فيه وهو من يسوق أتباعه إمّا لرفعة الأمة ونصرتها أو لذلّها وهزيمتها بما يحمله من أفكار ورؤى.

 

 

فهذه الأسباب وغيرها تؤكّد كما قلت أنّ أمر القدوات أمر مهم وخطير، يجدر الاهتمام والعناية به، وعدم الإغفال أو السكوت عنه، خاصة إذا كان أثر تلك القدوات أثراً سيئاً عليها كذوات، وعلى من ورائها كأتباع، بل يتعدّى التأثير ليكون على الأمة التي ينتمون إليها أو المجتمع الذي يعيشون بين أفراده.

 

 

ومن هذا المنطلق فإنّه جدير بالاهتمام أن يعتني كل واحد منّا باختيار القدوة النافعة والأسوة الصالحة له، التي تقوده لكل خير وحق وفضيلة ومعروف وريادة وقيادة وسمو وشرف ورقي.

 

 

ومن هنا أيضا، والحديث عن القدوات.. أنت تتبع من؟ قدوتك من؟ المؤثّر عليك من؟ الشخص المطاع من قِبَلك من؟ الذي تفرح بقوله وفعله من؟ الذي تتابع أخباره من؟ الذي تضحّي من أجله من؟ الذي تسافر له من؟ الذي تقرأ عنه من؟ من؟ من؟ من؟.

 

 

عليك أن تسأل نفسك كثيراً هذه الأسئلة لتعرف من أنت؟ وماذا تريد؟ هل تتبع الناجح الفالح الرابح أم الصاغر الفاجر الخاسر؟ هل تتبع العالم العامل أم الجاهل الخامل؟ هل تتبع المنجز الباذل أم المتردّد الهازل؟ هل تتبع لمن يسعى أن يكون صاحب أثر في الخير والحق أم إلى من يسعى بأن يكون صاحب أثر في الشر والباطل؟ هل تتبع من يريدك رقماً صعباً في مجتمعك أم من يريدك صفرا ًعلى الشمال فيه؟ هل تتبع من يسوقك إلى قمم العز والشرف والسؤدد أمّ من يسوقك إلى مواطن الريبة والخذلان والرذيلة؟ أنت تتبع من؟

 

 

أنت مسؤول عن حياتك أمام الله جل وعلا وأمام نفسك وأمام الآخرين، ومن مضامين تلك المسؤولية اختيارك لقدوتك الاختيار الأمثل والمناسب لأنه من سيعينك – بعد الله – على مكابدتك لهذه الحياة، ومن ستستفيد من علمه وعمله، ومن سيختصر لك طرقاً طويلة أمامك بمهاراته وتجاربه، ومن سيكون سبباً في رقيّك وتميّزك، ومن سيكون المحفّز لكَ ولفكرك والداعم لعطاءك ومشروعك، ومن سيكون لك مصدر فخر حال نجاحك وتفوّقك.

 

 

أنت تتبع من؟ سؤال يختصر لك الكثير من الأمور في حياتك، فلا تستهن بأمر القدوات، ولا تغترّ بأي شيء تملكه عنهم وعن سِيَرهم وتجاربهم.

 

والسلام عليكم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى