محمد الرياني
فتحَ الشباكَ الوحيدَ في غرفتِه والذي يطلُّ على مساحةٍ واسعةٍ من الغطاءِ النباتي الأخضر ، رائحةُ عشبِ البراري تبعثُ على السعادة ، غيرَ أنه يشعرُ بأن ضبابيةً تقفُ أمام عينيه فلم يستمتع أكثر .
أرسلَ إليها رسالةَ اعتذار .
إلى….
أشعرُ أنني سأفقدُ بصري ، سقفُ الغرفةِ يدورُ فوق رأسي بشكلٍ مظلم ، وهناك هبوطٌ في أنحاءِ جسدي ، ليلةَ أمس لم أستمتع بسهرةِ العرسِ التي دُعيتُ إليها ولم أفرح مع المبتهجين .
محبك …..
تركَ الشباكَ مفتوحًا وأغمضَ عينيه الذابلتين واستسلمَ للتعب ، فتحتْ رسالتَه وأغلقتْها بسرعةٍ ووضعتِ الهاتفَ في حقيبةِ يدِها وانطلقتْ نحوه بعدما أخذتْ معها إبرةَ تحليلٍ وبعضَ أنابيبِ المحاليلِ الطبية ، وجدتِ الشباكَ مفتوحًا ، رشَّتْ على وجهه بماءٍ باردٍ كي يصحوَ ويراها ، تحركَ ببطء ، فتحَ عينيه المريضتين ، أبصرَها فلم يتمالك نفسَه من الفرح ، فتحَ لها البابَ بتثاقل ، أخذتْ من عضدِه بعضَ الدمِ لتعرفَ ماذا أصابه ؟ أخرجتْ من حقيبتِها فطورَها المعتادَ المكوَّنَ من فطيرةِ البيضِ والسلطةِ والجبنِ وعصيرِ البرتقالِ الطبيعي ، ودعتْه لتناولِ وجبةِ الإفطارِ بدلًا عنها ، فعلَ ذلك وشربَ العصير ، شعرَ بالتحسن ، وقفَ معها عند الشباكِ ليرى المساحةَ الخضراءَ التي فقدها للتو ، أخذتْ بيده لتأخذه إلى المستشفى الذي تعمل به ، شعرتْ بالدُّوارِ وتراجعتْ نحوَ السريرِ لتستريح ، أصابتْ عينيها غشاوة ، طلبَ منها أن تُكملَ مابقيَ من وجبةِ الإفطار ، قال لها ليتني أستطيعُ سحبَ الدَّمِ من وريدكِ كما فعلتِ معي ، قالت له : لاتقلق ! سأكونُ بخير ، فتحتْ عينيها وفعلَ مثلها وصوَّب عينيه تجاهها ، قال لها : أرأيتِ ما فعلَه الخصامُ والهجرانُ بيننا ؟ تركَ الشباكَ مفتوحًا للهواءِ الباردِ وأغلقَ جهازَ الهاتف ، أرسلتْ له وهي بالقربِ منه رسالةَ اعتذار ، قرأها من جهازها بدلًا عن جهازه ، وضعتْ كفَّها على بعضِ وجهه لتمسحَ الضبابَ الذي ملأَ قعرَ عينيه ووضعَ كفَّه مثلها ، لم يقل أيهما للآخر : اغسل يديك من بقايا الأكل ، تَبخَّرَ الخصامُ وخرجَ من الشباك .