د . ضيف الله مهدي
الكابتن دحمان بن نوبي بن سعيد ، حبه دخل قلوب كل أهل بيش وكل بيوتات بيش دون استئذان .
هنا سأتحدث عن شخصية ليست رياضية فحسب ، بل شخصية ثقافية علمية اجتماعية فنية . محبوب بين الناس بدرجة فوق الممتاز ، وما أحبه الناس عباطة ولكن لحسن أخلاقة وحسن تعامله وخدمته التي يقدمها دون أن تطلبها منه .
فأنت تجده في الأفراح مهنيا ومسرورا وكأنما الفرح له ويخصه ، وفي الأحزان مواسيا وآسيا كأنما الحزن في بيته . يخدم كل من عرفه ومن لم يعرفه.
ليلة زواجه – وكان في قصر شموع الواحة – أغلقت الطرق المؤدية للقصر من كثر السيارات التي حضر أصحابها مهنئين وفرحانين بزواجه حتى أنك ترى الجميع أوقف السيارة في مكان بعيد ومشى على قدميه . والفرح عم بيش كلها مشاركة لدحمان يرحمه الله .. وفي يوم وفاته خيم الحزن على كل أرجاء بيش وكل قرية تعرف دحمان ، وجاء المشاركون في وداعه والصلاة عليه وتشييعه ودفنه من كل مكان حتى ذهل الكثير من أعداد الناس التي دخلت مسجد الراجحي .. قال البعض : دحمان فرد واحد جمع الأمة على حبه وتقديره واحترامه حيا وميتا وبكاه الجميع . لم يأت هذا الحب من فراغ فهناك خبيئة بينه وبين الله جعلت القبول له في الأرض بعد حب الله له وحب أهل السماء .
كان إذا مات شخص من أهل بيش أو القرى المجاورة وله أقارب أو لا يوجد له أقارب تجد دحمان أول الحاضرين وأول من ينزل في القبر يصلحه ويلحده وينظفه وبوسعه وتجده يحمل الميت ويرش قبره وهو آخر المغادرين . ويحضر للعزاء مواسيا ومعزيا ولا يجلس بل يشارك .
على الجانب الثقافي يستطيع دحمان محاورة ومناقشة أكبر المثقفين وأساتذة الجامعات والأدباء والشعراء وقد حضرت له مثل هذه الحوارات والنقاشات وهو لم يكمل المرحلة المتوسطة .
يتحدث اللغة العربية الفصحى متى أردته ويتحدث اللغة الانجليزية . يتحدث في القضايا الاجتماعية .. وفي الجانب الفني دحمان يعزف على العود ويغني .. اكتشفت ذلك في ليلة من ليالي عام ١٤٠٢هـ حينما كنا موعودين بسهرة فنية لفنان العرب محمد عبده كان قد أعدها نادي بيش الرياضي برئاسة الملازم سعود يرحمه الله ولكن تلك الحفلة تصدى لها البعض ومنعها وحرمنا منها ، وكنت أنا معصب تلك الليلة فحملني ابن عمتي وزميلي في الدراسة المقدم محمد أبو هادي يرحمه الله وخضر طرشي وشباب من عمري وقالوا تبغى فن وطرب هيا معنا وسرينا حتى قريب من الضفة على مرتفعات رميلة وكانت البلاد زارعة والبدر في كبد السماء مكتملا ، وصلنا ووجدت دحمان ماسكا بالعود وقد أطربنا تلك الليلة طربا أصيلا .
على الجانب الديني فقد كان متدينا ومحافظا على صلاته حتى أنك ترى في جبهته أثر السجود .
وفي الجانب الرياضي وهو المهم وأساس حديثي عنه ، فقد كان رياضيا من الدرجة الممتازة ليس في كرة القدم فحسب بل في كل الرياضات ، القدم والطائرة والسلة واليد والتنس والجري واختراق الضاحية والسباحة ، ولو قيل له اعبر البحر الأحمر سباحة لفعل . شارك في مسابقات كثيرة وأشهرها مسابقة مع المدارس يمثل إدارة تعليم جازان في محافظة الطائف وحصل على المركز الأول .
في كرة القدم لعب لمعظم فرق بيش وأشهرها الكواكب والاتحاد . سريع ومراوغ وتحكم وشجاعة وقوة . وبعد اعتزاله الكرة أصبح حكما يستعينون به في تحكيم المباريات والمسابقات الرمضانية في بيش والقرى المجاورة .
لا يعرف الكثير أن نادي الاتحاد بمحافظة جدة قد طلب دحمان وأراد ضمه لصفوفه ولأن دحمان لم يدرس العرض تماما فقد رفض ذلك مفضلا البقاء بجوار والده ووالدته رحمهم الله جميعا . ولو التحق بنادي الاتحاد لكان له شأن عظيم ولأصبح أحد لاعبي المنتخب الذين فازوا بكأس أمم آسيا ١٩٨٤م .
ولأن الموت مكتوب على كل من تحت العرش فقد انتقل إلى جوار ربه في يوم مشهود الكل حزن لوفاته ومعظم أهل بيش والقرى المجاورة شارك في وداعه وتشييعه والصلاة عليه ودفنه .. رحمه الله رحمة واسعة وجعل الجنة داره وسكنه .