محمد الرياني
بعد تلك الليلة والسؤال العابر، حملتُ معي الأوراق وكتابين متوسطي الحجم وغادرتُ الدهاليز لا أصدق المشهد، لا أعرف إن كانت الأرض هي التي تحت قدمي أهرول عليها أم أنني مسافر بلا عنوان، الشيء الوحيد الذي مثُل أمامي وجوه كثيرة تضحك ببراءة مثل محيَّا الأطفال الذين يلعبون المطاردة فلا يتعبون ولايكلّون من المزاح أو الرمي بالوحل في ظهور الآخرين، لأول وهلة تخيلتُ الجدار الرمادي الكئيب يخرج عن صمته وجزعه ويفيض بابتسامته، يبدو أن حالات الفرح التي سكنته اخترقت سماكته نحو الساحة المظلمة، قتلتني بالسؤال حتى تمخض الفرح فلم أعد أعرف كم وجهًا يضحك في هذا المساء؟ حتى المساحات التي بجواري خلتها نبضًا وأوردة وفمًا مفتوحًا، لما استويتُ وعادت إليّ سكينتي قلتُ لها في نفسي سامحك الله في هذا الليل، ليتني لم أقف لأقطف الأوراق من حديقة الليل، أو انتزع سفرين لأطرد بهما وعثاء السفر، بمجرد أن سمعت كلمتين اصطدمت الحروف داخلي لتنشأ الحرب بينها، وأن تقتتل بلا هدف أو معرفة من هو العدو، عاهدتُ نفسي أن أغمض عينيّ عندما يشتعل الرماد ويخرج من ذراته اللهب القديم، تركتني في حيرة، كتبتُ على طرف الأوراق التي معي سطرًا واحدًا ونفد الحبر، وضعتُ الكتابين على السور دون ان يراني أحد وفيهما بعض كلمات تذكرني بها، كانت آخر ليلة ألقاها بعد أن اطمأنت عليّ وأنني على مايرام ، لا أعلم هل رأتني وأنا أكتب سطرًا مثل مولود وحيد لاثنين افترقا للأبد؟ إحساس فريد تملكني بأنها ستفعل ذلك، في الصباح وعندما حضرت الشمس، زرتُ الأوراق لأتأكد من بقائها، وجدتُ الصباح قد حرك العصافير نحوها لتغني عليها، لقيتُ طائرين جميلين منتشيين بالنسائم ، أقسمتُ بأن أتركهما كي يعيشا اللحظة الماتعة ، ربما يفترقان مثلنا ولا يجمع بينهما سوى سؤال عابر.