محمد الرياني
طلبت منه أن يضمد جراحهاو لايزال جراحه ينزف من الداخل، فبعد ليلةِ عشاء لاتنسى اختلفا، حوارٌ حميمٌ تناثرت فيه الحروف والمفردات وتطايرت كوابل رصاصٍ ارتفع؛ بعضه احتفائي والآخر طائش، انقلبت الموازين حتى كاد العشاء أن يغادر أحشاءهم ، قال لها: هذا من فرط السعادة يجعلنا نتجاوز الممكن نحو غير الممكن، لم تقبل الاعتذار وعينه تنظر إلى الطاولة الأنيقة وقائمة الطعام التي أمسكا بها سويًّا ليختارا نوع العشاء ، تركها تُفرغ كل مابداخلها لدرجة أنه صعق من تلك التي كانت تضحك وهي مستأنسة، هل يعقل أن يأتي التمرد بعد كل هذا الشبع ؟ انفلتت أعصابه فقام بركل الطاولة بما عليها لدرجة أنه أخاف مَن في المطعم ، ظلت تنظر إليه كوحش شرس خرج من قفصه الحديدي الذي يربض فيه لينتقم من القيود، جاءوا إليه يمسكون به ويهدئون من شدة انفعاله وهو يتصبب عرقًا وخجلًا، لم يعتادوا منه على فعل هذه الممارسات في مطعمهم وهو الذي يقرأ عليهم دائمًا السلام مثل أغنية قصيرة يحفظها الجميع، هدأ وأعاد الطاولة إلى وضعها الطبيعي وهو يعتذر منهم، جلس على مقعده ليعاتب نفسه ويؤنبها، أعاد ترتيب كل شيء يلبسه، غطاء رأسه المبعثر، وثوبه الذي انفتحت بعض أزراره، وقف عند المرآة فوق المغسلة ليتأكد من أناقته، بكى من داخله من فعل لسانه البريء المجنون الذي علمه الدرس ، غادر المكان في وداع نهائي، عاهد نفسه أن يكتفي في العشاء بقطعة خبز بيضاء وكوب من الشاي الأحمر ثم يمسح يديه بقطعة منديل دون أن يحرك شفتيه، تمنى أن لا يرى في منامه ضجيج الملاعق والأشواك وهي تتربص بالأطباق الفاخرة.