متابعات _
في كثير من الأحيان يستسلم المبدع للإلهام، ويسوق المعنى بإتجاه الفكرة متجنبا الإيغال، وهو بذلك يستلهم خطابه من الذات، ويواكب المد الشعوري باتجاه النص، وكثير من المبدعين يسوقون الشعور مقابل الفكرة، وبين المد الشعوري وبين الذات مسافة للإمتاع والتأمل.
وإذا كان الشعور يقام بحديه الذاتي والنفسي على أعتاب النص، فإن مقابل ذلك تقام الفكرة مقابل الوجدان، وبين الذات والوجدان مسافة للحوار الداخلي للنفس، وعلى هذا يقام الإبداع، وتقام إمكانية التصور والحوار الداخلي بين الذات والروح.
وفي أحيان كثيرة يتمتع المبدع بتلقائية الشعور، ويأخذ مده الإبداعي من التصور مقابل النفس والروح، وعلى هذا يقام الشعور بين موردين، احدهما الإحساس النابع من الذات، والأخر الشعور المتفاعل مع الروح، ومن المهم فيما يخص الإبداع الشعري ان تقام عملية التفاعل بين الروح والوجدان، وأن يستلهم المبدع ما يصادفه من الخاطرة الملقاة على ذاته، فيواكب المد الاحساسي، ويستحث الإدراك مقابل الوعي، وهذا ما هو حادث في شعر الشاعرة مليكة طالب، في ديوانها (حديث الوجدان)، الذي نتناوله في هذه المقالة، حيث تقيم الشاعرة مليكة طالب مدا بين ما هو حادث في المخيلة، وبين ما هو حادث في الإدراك، وعليه تقيم ثنائية التصور بين الوعي والشعور، ففي قصائد ديوانها حديث الوجدان، يستمتع القارئ بثنائية التشبيه بين المد الشعوري، وين الإستلهام، ويقف على مدلول الوعي، مستأنسا ومنسجما مع التصور المقارب للفكرة.
وفي ديوان حديث الوجدان للشاعرة مليكة طالب، نستلهم من ابداعها الوجداني حميمية التلقائية في نسج الشعور، ونقف على اعتاب المد الذاتي للإحساس، كما نقف على انسجام الوعي مع الذات، والشاعرة بذلك تستلهم المعرفة من فيض وجدانها، وتساوق بين ما هو مستلهم بالوعي، وبين ما هو مدرك بالإحساس، وعلى هذا تستمد الشاعرة من مدلول الوعي إمكانية التصور المشابه للذات.
ويعد ديوان (حديث الوجدان) من حيث التصور، واحدا من أهم الأعمال الإبداعية الحديثة التي تستلهم الفكرة وتحورها في مدلول احساسي ينسجم مع وقع الفكرة، ويتوغل في الشعور وينسجم مع الوعي مقابل الإدراك.
وبالعودة الى قصائد الديوان، نستلهم من السياقات المعرفية للنصوص، شعورا مقابلا للوقع المعرفي، ومدلولا ذاتيا للشعور النابع من الأعماق، ففي قصيدة (لهفة) تقول الشاعرة:
مشيت الليل
والرجل حافية
أجوب الطريق
أين الحبيب؟
السهد اضناني
ليله الطويل
والحب أعماني
فهل من سبيل
في هذه القصيدة، تقيم الشاعرة مع الوقت مسافة تتخذ من الايغال بالشعور مدلولها المخبأ في الذات، وتقيم مع الوقت مسافة أخرى للتمعن بالشعور، وبين هذين الحدين تقيم المدلول المساوق للفكرة، وتعتمد الشاعرة في القصيدة مدلول الشعور المقابل للذات، وبين ما هو حادث في الوعي، وبين ما هو مقام بالإدراك، تستنطق المخيلة المخبأة، والفكرة الغائمة في الشعور، وعليه تعتمد الشاعرة الإفصاح عن الذات ويمتد الشعور الى مسافة لانهائية من التصور، فيحدث التفاعل بين الذات والإحساس، مقابل ذلك تدغم الشاعرة المعنى بإتجاه الوعي، وتحد من مسافة التأمل، وتجعل بينها وبين الذات ساحة للتمعن في مدلول الوعي، ومثل ذلك في قصيدة (أنا المغربية)، حيث تقول الشاعرة:
أنا السمراء
أنا البحر
في عيني زرقة مائه
في شفتي زبد موجه
في فرحة سكونه
في جعبتي حكمته
في صمتي تأججه
في ثورتي هيجانه
أنا الزمرد في أحشائه
ففي هذه الأنساق تستوعب إدراكات شتى للمخيلة، وتوائم بين ماهو مدرك وبين ما هو مستنطق بالشعور، وتقيم حدين متقابلين للذات والشعور، أحدهما يستحوذ على الإدراك، والآخر يقيم حد الذات مع المستنطق في الذات، وبين الحدين يقام الإحساس، وعلى هذا تعتمد الشاعرة في كثير من القصائد مقابلة تصويرية تواكب المد الآتي من الذات، كما تعتمد الشاعرة الإحساس مقابل الوعي، وتقيم بين الذات والوعي مسافة للإدراك.
وفي قصيدتها (الهروب)، تجعل الشاعرة من مدلول الوعي مساحة رحبة للتمعن بين ما هو كائن في الذات، وبين ما هو مستحدث في الوعي، وتقيم مقابل ذلك الشعور كحد مستقيم بين الإدراك والوعي، وكمسافة قائمة بين الوعي واللاوعي، حيث تقول الشاعرة:
اسائل نفسي
لماذا أسرعت في خطاها
لماذا بكت
ندبت حظها
التعاسة تملأ عينها
تنم ملامحها
عن هول مخاوفها
وفي هذا إيغال الشعور في البحث عن مدلول اللامكان، كما تجعل الشاعرة من البحث أملا بعيدا للقاء، وهنا تكمن الفرادة وبراعة التعبير عن الموقف الشعوري، وبين ما هو كائن وبين ما يكون، وعلى هذا تجعل الشاعرة من المد المعرفي مساحة معبرة عن الوقفة التأملية للذات، ومع أن الشاعرة تبلغ بال…