قراءة نقدية وتحليلية
عبدالصمد زنوم المطهري
لقصيدة الشاعر
علي الشعواني من نجوم 🌟 أكاديمية صبا الثقافية
*البداية مع الفكرة
إدخال المفردة العامية في روح قصيدة الفصحى لإضافة نكهة للمعنى ولتقوية المضمون وهو هنا حوار بين متوازيين
ماضٍ عشنا فيه معضم حياتنا وحاضر نمر به فنجد بعض آثار الماضي على قارعة طريق مررنا بها ووجدناها مجسدة فحاكيناها ومنها انطلقنا إلى تدوير الملفات وإخراج صور البديع من إرشيف الماضي وهذا مارأيته في نص الدكتور علي الشعواني بأنه استجلاب واستطراق للماضي نحو واقع وعيون وفكر الحاضر حيث يتواجد جيل لم يع تلك المرحلة وهذا الذي دعاني لأن أقول بأن فكرة القصيدة فكرة مدهشة .
*الإيقاع الخارجي والداخلي والبناء
الإيقاع قائم على الفاعلية بين الشاعر والمتلقي، فهي حركة تخرج عن السكون لتعطي المتلقي إحساسًا بالفرح والسرور
أو الحزن والألم أو الميل بعاطفته نحو الحياة داخل دراما النص والإيقاع في القصيدة العمودية الأصيلة يسمى الطرب وفي شعر المحدثين يسمى موسيقى الشعر ..
*التقطيع الإيقاعي للنص
_البحر هو بحر البسيط
تفعيلته الرئيسية مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
_الدائرة المختلف
_النوع بحر مركب
تفعيلات النص
(مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعل
مثل من سهوة العشق واستطراق الحاني
وقد أصاب بعض تفعيلاته الخبن وهي من جوازات البحر
مثل صدى المزمر ذكرني بأزماني
متفعلن فعلن مستفعلن فاعل)
-الروي النون المكسورة
يتمثل الإيقاعي الداخلي في القصيدة من وحدات إيقاعية تزين النص. ويكون الإيقاع الداخلي من: تَكرار ( صوتي ولفظي ) ومن موازنة وتجاور صوتي وتصريع وغيرها من الوحدات الإيقاعية التي تساعد على إبراز جماليات النص ومعانيه
كما نرى من تكرار الصوت عن انشاد القصيدة
في مختلف أبياتها
*تحليل القصيدة وسياقها العام
ومافيها من تشبيهات وبديع
_سهوة العشق
السهوة بالمفهوم العامي هي بناءمن أدوات الطبيعة المحلية للمنطقة وعادة من جريد شجر الأثل المذكور في القرآن الكريم وغصونها وتشييدها على شكل هيكل مرتفع عن الأرض من اجل متابعة وحراسة المزرعة
وفي اللغة
مأخوذة من الغفوة والغفلة في جانب آخر
وهي مرتبطة بمكان يرتاح المزارع لبعض الوقت أثناء تواجده في المزرعة وذلك كونه يحرس ويتابع المزرعة من أعلى السهوة ويحميها باستخدام مايسمى المضيفة وهي عبارة عن حبل على شكل سوط يصدر صوتا لإفزاع الطيور من أكل حبوب الذرة
واصطلاحا سَهْوَةٌ: (اسم)
* سَهْوة : مصدر سَها
* الجمع : سَهَوات و سَهْوات و سِهاء
السَّهْوةُ :حائطٌ صغيرُ يبنى بين حائطي البيت، ويُجعل السّقف على الجميع، فما كان وَسَطَ البيت فهو سهوة، وما كان داخلَه فهو المُخْدع
وكل ما ورد فهو دلالي على ماهو موجود في المناطق الزراعية الريفية في منطقة جازان
*تجريد النص وتفسيره
المطلع
مِنْ سهوةِ
العشقِ و استطراق ألحاني
صدى المُزمِرُ ذكرني بأزماني
كما يشير أن الشاعر مر بمكان ما ورأى السهوة التي تم شرحها ووجد راعي هناك وهو يستخدم المزمار من أحل التسلي بصوتها الغنائي ويترنم بحداء جميل فأثر هذا في مشاعر وخلجات روح شاعرنا
وتمثل الذات منطلق شاعرنا وتم تكثيف تفاعلها بهذا الحضور التشكيلي والدلالي في بنية النص
فالسهوة ورؤيتها أثرت فيه ناهيك عن رؤية المزمار وسماعه هذه كلها مؤثرات تحولت لدلالات مباشرة شكلت روح النص
السهوة -العشق -ذكرى-الحان -صدى المزمر-أزمان وكل هذه المفردات لها دلالات
وحضور في كامل النص كما سنرى
و حِدرُ نوقٍ
دنا للماءِ واردُها
ألبانُها بلسمٌ من سقمِ أدرانِ
كلمة حدر هي عامية المصدر وتعني مجموعة من العشر للعشرين والنوق هي الإبل
دنا للماء اقترب كي يرتوي
واردها يعني الإبل والراعي يحركها نحو الغدير في الوادي لتشرب
ألبانها حليب الإبل ومعلوم أهميته عن العربي
فهو يعتبرها بلسم وترياق وشفاء مما يجعلنا ندرك أهميته للعربي،سقم أدران أي الأمراض
وتشكيل البيت مرتبط بماقبله في المطلع
ووصف الشاعر متميز بدقة تصويره للمشهد بشكل درامي وكأننا نلامس منه الواقع
المفردات الدلالية في البيت
حدر نوق -دناللماء واردها
البانها -بلسم _سقم -أدران
شَرِبْتُها
مِنْ جُفالِ القعبِ مُغتبِقًا
وحوليّ العيسُ والمزمارُ نُدماني
شرب ارتوى -جفال القعب يريد أنه أخذ قعبه وهو إناء عادة يكون منحوت من الخشب ومطلي بمادة القار السوداء المستخرجة من أخشاب السلم والتي تعطيه رائحة منعشة محببة لأهل المنطقة وقدطلب من الراعي يحلب له لبن فحلب وأعطاه وقد غطى الجفال وهو الرغوة من أعلى الحليب وشرب وهو مغتبق -اغتبق الرَّجلُ شرِب الغبوقَ، وهو ما يُشرب في العشيّ وهو هنا مرتبط بنشوة وابتهاج الشاعر بشرب الحليب
والمشهد يدلنا على أن الراعي حلب وأعطى صديقنا الحليب الذي علاه الجفال وشرب في وقت العشيّ وأصابته البهجة بذلك
وحولي العيس وهي لفظة دلالية على الإبل
جمع أعيسُ وعيساءُ: إبل بيض يخالط بياضها شُقْرة، وهي كرائِم الإبل
والمزمار هنا يعني أنه كان يشرب الحليب حول الغدير والإبل تحيطه وصاحب المزمار يعزف فكان الجو عام بهجة وسلوان وانشراح
فهاكها
يا صديقي إنني طَرِبٌ
أسترجعُ الطيشَ من داناتِ نشوانِ
هاكها كلمة مُركَّبة من ها اسم فِعْل بمَعْنى خُذْ وكاف الخِطاب، نحو.
“هاكَ بُرْهاني”
وهنا أراد الشاعر التبيين والتوضيح للمتلقي
أو لمن هو حوله :
بأن منظر السهوة وتراوح الإبل للغدير وشرب لبن الإبل وهي حوله بجمالها وصوت المزمار
كلها دلالات وجواب لنعرف سبب طربه
وكيف أثرت هذه الدلالات على رجوعه لمرحلة من عمره كان يرعى فيها الإبل
والطيش هنا يعني به أيام الشباب وهي غالبا ليس فيها التزام ومسؤولية وكان يحصل فيها شئ من الخروج عن المألوف مثل الغزل ومحاولة البحث عن البهجة بطريقة لطيفة
وكذلك الذهاب للصيد والتمتع بالطبيعية
وهذه معظم ملامح هذه المرحلة …
وذات الشاعر وفكره رجعا به لتلك الحياة وتخيلها ولذا قال إنني طرب ومذهول ومهوش وفي حال انتشاء عندما تمر أمامي ذكريات الماضي عندما لامست في حاضري هذه المشاهد والمشاعر مرة أخرى وهذه
وجاءت الأحداث والمشاهد على شكل حوار بين متوازيين وبين نمطين مختلفين
ماضٍ عشنا فيه معضم حياتنا وحاضر نمر به فنجد بعض آثار الماضي…
ياعازفَ
العودِ أطلقها مُلحنهً
ممزوجة بجمالِ العشقِ والدانِ
سمعتُها
مُرغمًا معزوفةَ الطربِ
وجددتْ عهدَ آتراحي واحزاني
صوتُ
المزاميرِ أشجاني وذكرني
لعبَ الصبا بعد نسياني وسلواني
لعبٌ
لعبناه ما أحلاهُ من ترفٍ
ما دارَ في خافِقي إلّا وأنكاني
عقمٌ
فجرناه يا ويلاهُ مِنْ زُبرٍ
نشدو ونعلو رُباها فوقَ كُثبانِ
تلكَ
الرُبى ظلُها ضافٍ وموردُها
دافٍ ومنزلُها عاتٍ عن الجاني
هذه الأبيات المتلاحقة والمتراكبة بمشاهدها
كلها بنية واحدة ودلالات واإخبار عن الماضي يريد من خلالها الشاعر يرينا مرحلة من حياته
فهو يحاور العازف أيا كان من هو حوله وربما أرادبها أن النشوة بلغت به مبلغا بعيد من الطرب والنشوة فجاء الحوار كتجريد من صفة مزمار لصفة عود وهو يلمح للطرب بأي كان
أطلق ألحانك ياعازف ملحنة بأصوات الجمال ودندن بها ممزوجة ومصهورة بالجمال وصوت الدان وهو صوت الشادي عندما يغني ويرتبط دائما بالموال الذي يتخذ من صوت المزمار والعود مؤثرات خلفية لغنائه
سمعتها مرغما معزوفة الطرب
النشوة بسماع هذه الألحان ممتدة داخله ومتمكنة وكأن الصوت أرغم مشاعرك بالإكراه للتلذذ بما سببته من الدهشة وارتباط الذكريات حيث جددت ذكرى أيام مضت بمافيها فرغم نشوتي وطربي إلا أنها حركت أيضا أحزاني وربما قصد على أيام مضت وجد فيها لذة وقد أغلقت أبوابها في الحاضر بالخروج من تلك الدائرة لدائرة الانشغال والعمل والأعباء فتغيرت الملامح الزمنية والمكانية…
صوتُ
المزاميرِ أشجاني وذكرني
لعبَ الصبا بعد نسياني وسلواني
صوت المزامير …للمزمار وقع وتأثير على النفس أكثر من بقية الآلات وهي أكثر مؤثر في تحريك الشجن والحنين ولذا ولدت لدى الشاعر بحالات خاصة جذبته نحو الذكريات وتذكر اللعب والمرح في مرحلة الصبا بعد أن أنساه الزمن والبعد الزمني الكبير والمشاغل والارتباطات ..
لعبٌ
لعبناه ما أحلاهُ من ترفٍ
ما دارَ في خافِقي إلّا وأنكاني
لعبٌ لعبناه جاءت على شكل توكيد
التوكيد هو أحدُ الأساليب اللغوية التي تُستخدم من أجل تأكيدِ وتثبيت معنىً أو أمرٍ مُعين عند السّامع والمتلقي وهنا هو التّوكيد اللفظي وهو إعادة ذِكر المؤكدِ عليه إمّا لَفظاً أو ما يرادفه من كلمات، ومن الحالات على التّوكيد اللفظي هي إعادةُ تأكيد المؤكد
والجملة هنا هي كذلك (لعبٌ لعبنا)
ويريد الشاعر التأكيد لنا بأنه كان متلذذ بذلك اللعب وكان ترفا لطيفا لامساس فيه بالأخلاق والمبادئ بقدر ماهو تسلية وترويح وذلك اللعب في تلك الفترة الزمنية كلما أتذكره أحن وأشتاق إليه فقد ينكأ ذلك مشاعري وأتأثر به.
عقمٌ
فجرناه يا ويلاهُ مِنْ زُبرٍ
نشدو ونعلو رُباها فوقَ كُثبانِ
تلكَ
الرُبى ظلُها ضافٍ وموردُها
دافٍ ومنزلُها عاتٍ عن الجاني
البيتان هنا ارتبطا ببعضهما لأنهما يصفان جزء من طبيعة ذلك المرح واللعب
عقم الكلمة لها جذر فصيح ومعنى لفظي يتعلق بالمنع ولها دلالة وصورة عامية وتعني حاجز ترابي يتخذه المزارع لحبس الماء أو تغيير مساره لناحية أخرى
فجرناه الفجر يعني به فتح مسار بوسط العقم
لينطلق الماء منه لجهة أخرى
والعودة لوصف العقم بلفظة أخرى وهي زبر يعطينا تصور عن مدى تأثر الشاعر بأيام السقاية فيقول ياويلاه من زبر والزبر هي نفسها العقوم الترابية ولكنها أصغر منها والزُّبر فيما بين الحيازات والعقوم على شكل سد ترابي أكبر يعترض كامل الوادي ولكل كلها دلالات لمشهد الأراضي الزراعية..
تلك الربا ظلُّها ضاف وموردها
دافٍ ومنزلها عاتٍ عن الجاني
تلك الربا يقصد المناطق التي عاش فيها وشهد أحداثها ولا مس العمل أيام الصبا فيها
ومر به شريط عمره خلالها
ظلها ضاف يريد بأن جمال طبيعتها كثيف ومتسع بمناظره الجميلة والطبيعة الوارفة
التي تحبب النفس وتدخل البهجة والسرور
وموردها المورد هو منبع ومصدر كل شيء
ويقصد بأن المنبع لذلك الجمال يجلب للروح الدفء واللذة وأما منازلها عاتية على المعتدي والجانبي ومن تسول له نفسه المساس بكرامة أحد من أهلها
الاسلوب
تميز أسلوب الشاعر علي العشواني في هذه القصيدة بالوصف والشاعر في وصفه لنا اتبع أسلوب كشف الغطاء من خلال ذكرياته وحياته ،وعنيت بالإظهار والكَشف، والوصفُ هو ذكرُ الشيءِ بتفاصيله وسيُلاحَظ أنه خُصَّ نصه بالسهوة والمزمار وبالحيوان والأرض والماء، وطبيعة الأرض وبعض من أساليب الزراعة ومنها العقوم والزبر وكل هذه المشاهد تأثرت بصوت الناي والطرب ولبن النوق وكلها أثرت في مشاعره وجلبت له التأثر بالذكريات وحواره النفسي ولحظات تأمل واستطراد جمال الماضي وهو خروج موفق للشاعر من المطلع والمقاطع وللنهاية..
الشاعر تمكن من الوصف بشكل جميل وكان عليه أن يضع الكلمات العامية في علامات تنصيص حتى يشير إليها ليعرف المتلقي بأنها خارج نطاق اللغة الفصحى معنى وترتبط بالدلالة المكانية بمنطقة جيزان
وبشكل عام القصيدة مدهشة ومزجت ببن المفردات العامية والفصيح بنص جميل جدا ويستحق التقدير والاحترام بجدارة