أدبيات الصحيفة

آية و فنار

( مثلا )
يقول تعالى في الآية ٤٥ من سورة الكهف
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)..
جاء في التفسير الميسر :
واضرب يامحمد للناس -وبخاصة ذوي الكِبْر منهم – صفة الدنيا التي اغترُّوا بها في بهجتها وسرعة زوالها، فهي كماء أنزله الله من السماء فخرج به النبات بإذنه، وصار مُخْضرًّا، وما هي إلا مدة يسيرة حتى صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إلى كل جهة. وكان الله على كل شيء مقتدرًا، أي: ذا قدرة عظيمة على كل شيء.
وفي تفسير ابن كثير :
واضرب يا محمد للناس مثل الحياة الدنيا في زوالها وفنائها وانقضائها كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض أي : ما فيها من الحب ، فشب وحسن ، وعلاه الزهر والنور والنضرة ثم بعد هذا كله ( فأصبح هشيما ) يابسا ( تذروه الرياح ) أي : تفرقه وتطرحه ذات اليمين وذات الشمال والله هو القادر على هذه الحال. وكثيرا ما يضرب الله مثل الحياة الدنيا بهذا المثل كما في سورة ” يونس ” : ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت ) [ يونس : 24 ] ، وقال في سورة ” الزمر ” : (ألم تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ [الزمر:21].
فالله تعالى كثيراً ما يضرب الأمثال في كتابه، وكذلك الرسول عليه الصلاة والسلام يضرب الأمثال في سنته، وذلك لأن المثل يقرب المعقول فيكون كالمحسوس .
وبعد أحبتي..
فالقرآن أجمل الكتب أسلوبا ونظاما وقد تفرد باستخدام أسلوب ضرب المثل تفردا بديعا.
والأمثال: جمع مثل، والمَثل والمِثل والمثيل: كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى. والتمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير. ويرى العلماء: أنَّه لا بد أن تتوفر أربع صفات أو مميزات في المثل ليكون مثلا وهي : إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة”.
والمثل في القرآن الكريم جاء على نوعين : صريح مذكور فيه كلمة مثل أو مثال و كامن وهو مالم يوجد في نصه كلمة مثل و لكن يفهم من محتوى النص.
والمجالات التي تناولتها الأمثال القرآنية كثيرة نذكر أبرزها وأهمها وهي: 1- بينت الإيمان ومثلت له 2- كشفت الكفر وردت شبهه 3- فضحت النفاق 4- نادت بالخير وردت الشر 5- صورت الخبيث والطيب 6- ميزت الصالح عن الطالح.
ولأمثال القرآن بلاغة خاصة لا يدركها إلا العارف بأسرار اللغة العربية، وفي القرآن الكريم من صريح الأمثال واحد وأربعون مَثلاً في آيات مختلفة.
ومن دلائل رحمة الله عز وجل وحبه وتودده لعباده ضرب الأمثال فهو المتعالي والغني عنهم إلا أنه ضرب الأمثال لسهولة الفهم والإدراك ولسهولة الوصول إليه حتى لا يكون لأحد حجة يوم القيامة فكل الدلائل العقلية والكونية والأدبية تشير و تؤكد أن لا آله إلا الله.
ويتبين لنا هنا مدى أهمية استخدام اسلوب ضرب المثل في التربية لتقريب المعنى للطفل والناشئ و لهذا كانت القصص النصية و المصورة بل و المحاكاة بالمشاهد و الأفلام مهمة جدا لتحسين تربية الطفل و الارتقاء بمخزونه اللغوي والسلوكي.
لذا كان من المهم مراعاة الآداب العامة عند صناع القصص و المواد المرئية للطفل و المراهق حتى يكون المحتوى لائقا و غير منافي للقيم الدينية و الخلقية.
د. فاطمة عاشور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى