محمد الرياني
تستفزه كثيرًا فلا يلتفتُ إليها، تَحترقُ من طولِ صبره، يرتفعُ ضغطُها وهو ساكن ، تقيسُ مساحةَ الغرفةِ ذهابًا وإياباً ولا يزالُ يحتفظُ ببرودةِ أعصابه ، أطفأتْ كلَّ شيء، المروحةَ المعلقةَ والتكييف، رشَّتْ مبيدًا ليختنقَ فاختنقتْ قبله ، غادرتِ الغرفةَ وقد وضعَ يدَه على أنفِه ، استمعَ إليها وهي تقول: يَا لِأعصابِ هذا الرجل!! فتحَ النافذةَ في الجدارِ المعاكسِ لوجودِها ، أقبلتْ قمريةٌ تنوحُ على النافذة ، قال في نفسه: لقد جاءَ مَن يغني له أغنيةً تسلِّيه، لم يُشعِرِ القمريةَ بأنه سيغلقُ النافذةَ في وجهها كي لا تطيرَ نحوَ شُبَّاكٍ آخرَ وتغني لغيره ، فتحتِ البابَ بهدوءٍ لتنظرَ ماذا هو فاعل؟ ! هربتْ من صوتِها القمريةُ وتركتْه على بقايا رائحةِ المبيدِ والعرَقُ يقطرُ من جسدِه، هدَأَ روعُها فجأةً وأعادتْ للغرفةِ هواءَها، اقتربتْ منه أكثرَ لتطييبِ خاطرِه، قال لها: أريدكِ صوتَ قمريةٍ في فمِ إنسان، أعشقكِ نايًا حزينًا يبهجني، تراجعتْ عن مبادئِها، عادتْ القمريةُ من جديدٍ لتعلِّمَ الدرس، حضرَ معها طيرٌ آخرُ يشبهُها في حجمِها، جعلا يغرِّدان وهو طَرِب؛ بل في غايةِ الطرب، لم يكنْ صوتُها يحملُ لوعةَ الحزنِ هذه المرة، حثَّها كي تتعلَّمَ من العصفورين الأعجمين، قفزتْ وهمَّتْ بتركه عندَ النافذة، قال لها: لم ينتهِ الدرسُ بعد، أغمضتْ عينيها وفعلَ مثلها يرقبُها، سكنَ غضبُها فألقى عليها غطاءَ النوم وأكملَ مع العصفورين بقيَّةَ الغناء ، شكَّ بأنها تتصنَّتُ عليه وتترنمُ بشفتيها تحت اللحاف.