محمد الرياني
تجلسُ في الغرفة التي جعلت كلَّ شيءٍ فيها أبيض، الستائر، الكراسي، البلاط الأرضي، الباب والنافذتين، لم تقل إنها تخفي إلى جانبِ الغرفةِ غرفةً لم تفتحها منذ زمن، تركتْها مظلمةً كئيبة، رائحتها القديمة، غبار الماضي، عبق الذكريات، الأوجاع والآلام، رحلة الحب، لفتَ انتباهه وهي تخفي عبراتها قِدمَ البابِ الفاصلِ بين غرفتين، استدارت لتقف أمام الباب حتى لا يراه، استبدلت حديثها بحديث آخر، غلبتها دمعة حرَّى فلم تستطع ردها، مسحتها بيدها، دمعت عيناه معها بعدما رأى الباب الحزين الذي يخفي أسرارها، لأول مرة تشرق الشمس وتسرق بهجته، كل صباح كان الندى هو دموع السرور الذي يستمتع بمنظره على الأوراق، لكن هذا الصباح جعله يرى ندى الأوراق على وجنتين محترقتين ، سألها أن تعيد للوجنتين طبيعتها، وأن تفتحَ الغرفةَ القديمةَ على الغرفةِ الجديدة، وأن تأتي بأرديةٍ بيضاء بعد أن تزيلَ الغبارَ الخانقَ لتعمَّ الفرحةُ المكان، ناحت وانهمرت دموعها فبكى معها، أجبرها على أن تضحك وتبكي وتفتح الغرفة، لم تجد المفتاح القديم، دفع الباب بعد محاولات فانفتح، شاهد صورها القديمة، ذكريات السفر ، حالات الهناء، جلستْ عند طاولةٍ قديمةٍ كانت تحبُّ أن ترى كلَّ جميلٍ من خلالِ الشباكِ المفتوحِ على الحديقة، رسمتْ على الغبارِ بإصبعها خطوطًا غيرَ مفهومة، قرَّبتْ من أنفها بقايا من ريحِ ماضيها على الفراش، تركها تنوحُ مثل التي فقدت وحيدها ، لم يستطع فعلَ شيء، بقي حبها له لم يمت مع موته، دفنوه في التراب وأحيته في غرفتها المغلقة، اقتنعتْ بعد البكاءِ أن تجدِّدَ الغرفة، وأن تفتحها للهواء، وأن تسمح للطيورِ أن تنوحَ معها على سياجِ النوافذ ، نفضتِ الغبارَ ونظفتِ الأسرَّةَ بأغشيتها، ثم جلستْ تنتظر يومًا مثلَ يومِ رفيقها ، قال لنفسه، إن الصباحاتِ عندها كدموعِ الأوراقِ قبل أن تجففها الشمس، مسحَ عينيه من الدموع، وهو يعرف أنه سيجلسُ مع الأوراقِ كلَّ صباح؛ لكنها لن تبرحَ غرفتها ، ستكونُ الخِرَقُ القديمةُ هي الأوراقَ التي تذرفُ الدمعَ عندها لتبكي بجوارها.