محمد الرياني
جلستْ يومًا وقتَ الظهيرةِ وقدْ مدَّتْ سفرةَ الطعامِ البسيطةِ أمامَها، طبقان أخضران تمامًا، طبقٌ فيه ملوخيةٌ وطبقٌ فيه بامية ، وخبزٌ من الذرةِ الحمراء، ثنتْ ركبتيْها وسحبتْه بيدِه وكان قريبًا منها وأجلستْه على فخذِها اليمنى، ضحك وقال لعلَّها تمزح: لقد أصبحتُ كبيرًا وليَ أسنان وقد يؤَّثرُ ثقلي على فخذِها الرقيق، قالت سأُلقمكَ بالطعامِ كما كنتَ صغيرًا، فردَّ عليها ولكنِّي قد أُلحِقُ الضررَ بفخذكِ بجلوسي عليها ، قالت لاعليك، قال لها بشرط؛ لقمةٌ بيدكِ في فمي وأخرى في فمك، أو أن تضعي لقمةً بيدكِ في فمي وأن أضعَ لقمةً بيدي في فمكِ، اتفقا والسرورُ على وجهيْهما وبدأتْ تحشو فمَه مرةً بالملوخيةِ وأخرى بالبامية، هو يحبُّ الصنفين منذُ صغره ، كانت تخلطهما وتضعهما في ملعقةٍ من خشبٍ وتدخلها في فمه ، نسيَتْ وهي تطعمه أن تطعمَ نفسَها أو أن يطعمَها، الذي أشغله هو فترةُ مكوثِه على فخذِها ومع هذا لم تحرِّكْ رجليْها وهو مستمتعٌ بالطعامِ الأخضرِ وصوتُ بطنِها يتقلَّبُ من الجوعِ حتى شبع ، قال لها نسيتُ أن أُطعمكِ، قالت هل شبعتَ، قال نعم، وضعتْ يديْه في صحنٍ به ماءٌ وحرَّكتْهما داخلَه وهما نظيفتان لم يلحقْهما سوى بعض التسرباتِ التي كانت تسيلُ من فمِه أو من يدِها، بقيَ نصفُ الطعامِ فأشارَ إليها بأن تأكلَ لتسكتَ معدتها، قالت لاعليك سأفعل، أرادَ أن يجلسَ على فخذها اليسرى ويطعمَها كما أطمعتْه فأقسمتْ بأنها ستغضبُ عليه إن فعل ، كان ينظرُ إلى فخذها اليسرى وهو يحلمُ بالجلوسِ عليها ليطعمها، قالت له في المرةِ القادمةِ سأُجلسكَ على الجهةِ الأخرى تقصد اليسرى وأُطعمكَ حتى تتساوى الكفتان فضحكَ حتى خرجَ بعضُ الأكلِ من فمه، انتظرَ كثيرًا حتى مجيء هذا اليومِ الذي تطعمُه من جديد فلم يحدث هذا قط، لم تحضرْ الملوخيةِ والباميةِ بعد رحيلها، غابتْ فخذُها التي كان ينوي الجلوسَ عليها ليجوعَ مثلها ويطعمها.