بقلم / حسين بن سعيد الحسنية
@h_alhasaneih
الساعة الآن الخامسة مساءً من يوم الجمعة الموافق 7/7/1442هـ، أقف متذكراً ومذّكراً ومتعجّباً ومقرراً.
أقف وفي صدري كل تلك المشاعر المختلطة والممزوجة بآهات الندم أحياناً، وصيحات الفخر أحياناً أخرى، أغيّر من هيئتي حينها بين قعود وقيام ورقود، لا أكاد أصدّق ما مرّ عليّ من طائف مفاجئ وأنا أقلّب التقويم الهجري في الجهاز النقّال الخاص بي، وأقرأ اسم اليوم – الجمعة – ولا بأس ففي كل أسبوع يمرّ هذا اليوم عليّ، وأقرأ التاريخ 7/7/1442هـ، فأقف طويلاً وأتأوّه كثيراً وأتعجّب صادقاً – نعم – إنّه يذكّرني بيوم استثنائي في حياتي قبل عشرين عام بالتمام، تاريخ 7/7/1422هـ، إنّه اليوم الذي التحقت فيه بالوظيفة الحكومية، أقول استثنائي بالنسبة لي لأنّه جاء بعد سنوات مليئة بالتعب النفسي والعثرات المتكررة والفشل المؤقت ليؤكد مقولة (اشتدّي أزمة تنفرجي).
ومن ذلك اليوم وحتى هذه الساعة وأنا بين ساعة الحضور والانصراف، وبين القلم والورقة، والختم والدباسة والخرامة، وبين استقبال مراجع وتوديع آخر، وبين جهاز الحاسب الآلي وجهاز الهاتف، وبين تشجيع رئيس وتوجيه مدير، وبين تحفيز من إدارة وترقية من وزارة.
عشرون عاماً في الوظيفة الحكومية مليئة بالأخطاء والتقصير، والتهاون والتسويف، ومليئة أيضاً بالنجاحات والتفوّق، والاتقان والجديّة، نعم كل تلك المواقف مررت بها رغم ازدواجيّتها، فالبيئة والمكان والزمان والأشخاص، يشكّلها جميعاً المزاج وتكيّف الأجواء وتغيّر الطباع.
أتذكّر اندفاعاتي وليتني تريّثت، وتريّثاتي وليتني بادرت، وتخبطاتي وليتني رتّبت، وفراغي وليتني عملت، أتذكر ذلك العجوز الذي خرج من عندي وهو يشكو ابنه، وتلك البنت التي سئمت من حياتها تريد الانتحار، وذلك العامل الذي يبكي لأن كفيله لم يعطه أجرته، وأولئك الرهط المتحدين ضدَّ ابن عمّهم من أجل شبر من الأرض.
أتذكر صديقي الذي أغناه الله من الفقر لأنه بارٌّ بوالديه، وآخرَ فصل من الوظيفة لأنه وجد نفسه أكثر إنجازاً وكسْباً بعيداً عن قيود الوظيفة ومراقبة المسؤول، وثالثاً لا يشغله شي عن ذكر الله حتى وهو يقيّد المعاملات ويستقبل المراجعين، فكان لذلك أثرٌ إيجابي على نفسه وعمله وأخلاقه.
أتذّكر كم من خطأ بسيط كبّرته نفسي المتمردة عليّ أحياناً، وكم من جميل أُسْدي لي لكنّي نسيته ونسيت صاحبه، وكم من رفيق درب لسنوات فرقتنا المهام والتكاليف، وكم من نيّة سيئة حملتها لأحدهم لمّا ناصبني العداء.
أتذكر كلمات التوبيخ والتشجيع، وورقات التنبيه والتحفيز، وإشارات الممالاة والتأليب، واجتماعات الرصد والتأديب.
أتذكر كم من فاضل غمرني بفضله، وأرشدني ببصيرته، ونصحني بحكمته، وساعدني بما يستطيع، وكم من خامل حذرني من التميّز، وثبّطني عن البذل، وأرغمني على سوء التصرف حتى كاد يحرمني من الخير كلّه.
أتذّكر تلك الشخصيات التي حاولت أن أحاكيها في مجال عملي لأن محاكاة القدوات من طرق النجاح، وتلك الدورات التي التحقت فيها ومجموعة المعلومات والقيم والمهارات التي استقيتها منها وتلك المشاركات المجتمعية التي مثّلت فيها جهة عملي ومدى فعاليتها وإيجابيّتها عليّ كموظف.
أتذكّر تلك السنين العشرين.. ماذا حَمَلَتُ معها؟ وماذا أخذتُ بانقضائها؟ وماذا استفدتُ من أيّامها وساعاتها؟ وكم محصولي الإيماني والتربوي والعملي والماديّ منها؟ ماذا عن أصدقائي رؤوسا ومرؤوسين وعن كل من تعاملت معهم في ميدان العمل، أين هم؟ وماذا صنعت الدنيا بهم؟ وهل لازالوا يذكرون أيّامي معهم أم لا؟!!.
عشرون عاماً في وظيفتي وأنا بين مشاعر متناقضة، وقيم متأرجحة، وهمم متناوبة، بين صعود ونزول.
عشرون عاماً في وظيفتي بين طريقين يأخذ كل واحد منهما بيديّ نحو طريق صاعد إلى قمّة التميّز والعطاء، وطريق نازل إلى قاع الراحة والدِّعة، وما انفككت من أحدهما إلا جذبني الآخر.
وها أنا مرة أخرى وفي هذه اللحظة الثقيلة على نفسي أُؤكد لها – أي نفسي – أنّ الطريقين لا زالا ممهدين ليُتيحا لكِ فرصة أخرى تأتي بعدها مثل لحظتي هذه فإن كنتِ يا نفسُ صادقة في النيّة عازمة على التغيير نحو الأفضل جازمةً على الحسن من القول والصالح من العمل فهمِّي وبادري وأبشري، وإن كانت الأخرى فإلى الله المشتكى وإليه متاب.
من كتابي #وحي_الأمكنة