مقالات مجد الوطن

رمضان شهر الرحمة 

 

بقلم الأستاذ معدي حسين علي آل حيه

 

تعيش الأمة الإسلامية شهر رمضان في مشارق الأرض ومغاربها ونصل للعشر الأواخِر من رمضان ونستحضر معنى الرحمة في هذا الشهر الفضيل حيث أن الله تعالى اختص شهر رمضان بعدد من الخصائص، وفضَّله بعدد من الفضائل، وميزه بعدد من العبادات، ويأتي في مقدمتها عبادة الصيام، هذه العبادة التي عظمها الله سبحانه، وجعلها ركنًا من أركان الإسلام، وفصَّل الحديث عنها في غير آية من آيات القرآن؛ ليوضح لنا مقاصد الصيام وقد بدأ حديث القرآن عن الصيام في سورة البقرة، وهي من أوائل السور التي نزل بها جبريل عليه السلام على نبينانا محمد صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة – بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، وهذا إخبار من الله سبحانه وتعالى أنه شرع لهذه الأمة الصيام كما شرعه لغيرها من الأمم، وهذا بلا شك يدل على عظيم أمر الصيام، وأنه من الشرائع التي تشتمل على المصلحة للخلق في كلِّ زمان؛

بأن الله تعالى فرض على عبادة الصيام كما فرضه على الأمم السابقة؛ لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كلِّ زمان، وفيه تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال، والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة التي اختصيتم بها”. فمع اختلاف الكيفية بين صيام هذه الأمة وصيام الأمم السابقة، فإن أصل الصيام واحد، وهو منع النفس عن بعض الأمور تعبدًا لله سبحانه؛ وهذا يدل على الاهتمام بهذه العبادة والتنويه بها؛ لأنها شرعها الله قبل الإسلام لمن كانوا قبل المسلمين، وشرعها للمسلمين، وفي التشبيه بالسابقين تهوينًا على المكلفين بهذه العبادة أن يستثقلوا هذا الصوم، فإن في الاقتداء بالغير أسوة في المصاعب، فهذه فائدة لمن قد يستعظم الصوم وفيها إثارة العزائم للقيام بهذه الفريضة؛ حتى لا يكونوا مقصرين في قبول هذا الفرض، بل ليأخذوه بقوة تفوق ما أدى به الأمم السابقة” التقوى من أعظم مقاصد الصيام: وإذا انتقلنا للحديث عن مقاصد الصيام وحكمه، نجد أنه من أكثر العبادات التي عدَّد العلماء مقاصدها وحكمها، ولقد أجمل الله سبحانه هذه المقاصد والحكم في تحقيق التقوى؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. فتحقيق التقوى من أعظم المقاصد والمطالب التي ينبغي للمسلم أن يحققها، فالله سبحانه خلق الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب لعبادته وتقواه عز وجل؛ فقد قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]. فجوهر التقوى هو تحقيق مراقبة الله سبحانه في السر والعلن، وهذا ما يربِّيه الصيام في قلب المؤمن والصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثالَ أمرِ الله واجتناب نهيه، فمما اشتمل عليه من التقوى: أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب ومفطرات ونحوها، التي تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها ثوابه، وكذلك أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه مع قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله والصيام فيه تزكية للنفس وطهرتها من سيئ الأخلاق ورذائل الصفات؛ وذلك أن الصائم حال تلبسه بهذه العبادة يدرب نفسه على محاسن الأخلاق، والبعد عن قول الزور والفحش واللغو والرفث، وهذا مقصد واضح من مقاصد الصيام؛ لِما فيه من زكاة النفس وطهارتها، وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة”وهذا ما تؤكده السنة المطهرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لم يَدَع قولَ الزُّور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه))؛ [رواه البخاري]. وجاء في الحديث الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العزة: ((… وإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يَرفُثْ، ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ))؛ [متفق عليه]، فالمسلم إذا حافظ على هذه الأخلاق خلال شهر الصيام، صارت هذه عادته وطبيعته طوال العام. ومن مقاصد الصيام: أنه يضيق مجاري الشيطان في ابن آدم؛ فيقل نزوعه إلى فعل المعاصي والذنوب، بل تميل نفسه إلى فعل الطاعات، والتقرب إلى رب الأرض والسماوات. والصائم تقل منه المعاصي وتكثر طاعته” لذلك كان النبي صلى الله عليه وسـلم ينصح الشباب بالصيام إن عجزوا عن النكاح؛ لِما له من الآثار العظيمة في كبح النفس ومن حكم الصيام أنه يُشعِر الأغنياء بحاجة الفقراء، فترق قلوبهم في الإنفاق عليهم، ويسارعون إلى مساعدتهم، وهذا نلاحظه كثيرًا في شهر رمضان. حيث أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك مواساة الفقراء ومن مظاهر الرحمة في فرضية الصيام: أن الله سبحانه لم يأمر عباده بصيام الدهر كله، بل كلفهم ببعض الأيام المعدودات؛ فقال تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]؛ وذلك رحمة بهم ولعلمه بضعفهم. ومن مظاهر الرحمة في فرضية الصيام: أن الله سبحانه لم يفرضه مباشرة على عباده، إنما حرص على التدرج في فرضيته؛ مراعاة لطبيعة الإنسان ورفعًا للمشقة عنه؛ حيث كان المسلم في بداية الأمر مخيرًا بين الصيام أو الإطعام؛ حيث قال تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 184].

حيث أن المسلم الصحيح المقيم الذي يطيق الصيام، فقد كان مخيرًا بين الصيام وبين الإطعام، إن شاء صام، وإن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا، فإن أطعم أكثر من مسكين عن كلِّ يوم، فهو خير، وإن صام فهو أفضل من الإطعام… ثم إن الله عز وجل أنزل الآية الأخرى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]، فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح” ومن مظاهر الرحمة في فرضية الصيام: أن الله سبحانه رفع الحرج عن المريض والمسافر بأن يترك الصيام ويقضيه في أيام أخر؛ حتى لا يفوتهما مقاصد الصيام وما فيه من المصالح والفوائد؛ فقال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184]، وقال في الآية التي تليها: ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. رخص الله للمريض والمسافر في الفطر، ولما كان لا بد من حصول مصلحة الصيام لكل مؤمن، أمرهما أن يقضياه في أيام أخر إذا زال المرض، وانقضى السفر، وحصلت الراحة أما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة التي يصعب معها الصيام، فقد جعل الله لهم فدية عن صيامهم؛ جبرًا لخواطرهم، ورفعًا للحرج والمشقة عنهم برحمته وفضله سبحانه. ومن مظاهر الرحمة في فرضية الصيام أحل لعباده ليلة الصيام ما كان محرمًا عليهم وقت الصيام من الطعام والشراب والجماع؛ رحمة بهم ورفعًا للمشقة عنهم؛ فقال سبحانه: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]؛ ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام، فإنه كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة

ومن يتأمل المعاني العظيمة لهذه العبادة العظيمة في هذا الشهر العظيم وماجعله الله العظيم لعباده المومنين يجد الحكم العظيمة والمعاني العظيمة جعله الله شهر عز للإسلام والمسلمين وان يحفظ لنا ديننا ويحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى