محمد الرياني
يرتعشُ من فرطِ الحرارةِ في أعقابِ ليلٍ هادئ، وقفَ مثلَ غُصنٍ ناحلٍ يترنح، قال للحارسِ الليليِّ يرجوه أن يعطيَه أحدَ مقاعدِ الجلوسِ الإسفنجيةِ قربَ المدخل : هل من الممكنِ أن أجلسَ على هذا الكرسي، ردَّ الحارسُ بحزمٍ وكأنه لم يكترث : ممنوعٌ…. ممنوع، قالها مرتين، وأشارَ إليه بأن يتجهَ إلى الغرفةِ المجاورة، فتحَ البابَ بصعوبةٍ ويدُه ترتعش، طلبَ من المُمرضَةِ بلطفٍ أن تقيسَ له الحرارةَ وليس أكثرَ ليتأكدَ من أنَّ درجةَ حرارتِه مرتفعةٌ ليسلمَ من سلسلةِ البحثِ عن علاج ، خابَ ظنُّه، سألتْه عن عمره ! أجابَ مبتسمًا بحياءٍ وهو لايدري بفعلِ الهشَّةِ التي جعلتْه ينتفضُ مثلَ ريشةِ عصفورٍ صغير : قال لها : عمري بالتاريخِ الميلادي أصغرُ بعامين عن عمري في هويتي الشخصية، أرادَ أن يبدو أقلَّ عمرًا على الرغمِ من ملامحَ الوجعِ والإرهاقِ والعمر، كتبتْ له الممرضةُ على ورقةٍ جاهزةٍ عُمرَه وقياسَ الضغطِ المرتفعِ والنبضَ العالي، شكرَها واتجهَ صوبَ الطبيبِ في العيادة ، لم يجد طبيبًا؛ بل وجدَ طبيبةً وحولها بعضُ المرضى، أشارتْ إليه بأن ينتظرَ دورَه، ظلَّ يحومُ حولَ الكراسيِّ الفارغةِ عازفًا عن الجلوس، بدأ الجوُّ بالدفءِ مع اقترابِ انفصالِ الليلِ عن النهار، عاد إلى الطبيبةِ فوجدَ المرضى قد انصرفوا عنها، كلُّ شيءٍ حولها أبيض ؛ البلاطُ ، دهانُ الغرفة، الأسرَّةُ والشراشفُ وكراسيُّ الكشف، تحدثتْ معه عن شكواه من الرَّشْحِ والضغطِ المرتفع، وجدَ حديثَها نقيًّا يعكسُ نقاءَ سريرتِها وفهمها، لفتَ نظرَه عدمُ وجودِ حراسةٍ حولها، باستثناءِ هاتفِها النقَّالِ الأبيضِ أيضًا ويبدو أنها تستعينُ به في حالاتِ الضربِ والقسمةِ لاستخراجِ نتائجِ الجرعاتِ المطلوبةِ فضلًا عن بعضِ المعلومات، وصفتْ له العلاجَ ونصحتْه بالدفءِ وعصيرِ البرتقالِ وستكونُ الأمورُ على مايرام، أخذَ العلاجَ من الصيدليةِ القريبة، عادَ إلى قسمِ الدخولِ ليشكرَ الممرضةَ التي ساعدتْه دون تنسيقٍ مسبق، وجدَ كرسيَّ الحارسِ لايزالُ مكانَه دونَما حراسة ، دخلَ غرفةَ الكشفِ ليشكرَ الممرضةَ وزميلتَها على معروفهما معه، ناولتْه إحداهما منديلًا ورقيًّا طبيًّا بعدما رأتْ قطراتِ الرَّشْحِ تغلبُه وهي تقطرُ من أنفِه، مسحَ مَخرَجيْ أنفِه، ثم قالت له : عليكَ بالزنجبيلِ وقالت الأخرى لاتنسَ : قهوةَ القِرفة ، تراجعَ للخلف فوجدَ الحارسَ ينتظرُه بالكرسيِّ معتذرًا، لم يُلقِ له بالًا، غادرَ المكان وهو يلوِّحُ للحارس : قائلًا له : لاتثريبَ عليكَ! انظرْ إلى ملامحي قبل أن تزدادَ درجةُ حرارتي ارتفاعًا عندما أعودُ مرةً ثانيةً ، خرجتْ الممرضتان إلى الحارسِ تستفسران!! لم يعرفْ ما دارَ بينهم، بقي يرددُ في الطريقِ : ممنوعٌ.. ممنوع، طلبَ عند دخوله البيتَ قهوةً بالقِرفة مع قِطعِ الفطائرِ قبلَ برنامجِ العلاج.
