بقلم مهدي السروري
الشعور بالشوق والحنين إلى زملاء وأصدقاء الماضي هو الذي قاد فخامة الرئيس الدكتور عبداللطيف جمال رشيد رئيس جمهورية العراق إلى زيارة منطقة جازان مقر عمله السابق،
يوم الاثنين
٢٩ ربيع الآخر ١٤٤٥هــ.
وذلك بعد مشاركته في القمة العربية الاسلامية الاستثنائية ٢٠٢٣ الطارئة التي عُقدت يوم السبت
٢٧ ربيع الآخر ١٤٤٥هــ
١١ نوفمبر ٢٠٢٣م بمدينة الرياض برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء
“حفظه الله” نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود “حفظه الله” وذلك لبحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
حيثُ وجدَ هذه المناسبة فرصة سانحة للتوجه إلى منطقة جازان،
التي أُعِدَّ لهُ فيها إستقبالٌ رسميٌّ،
حيثُ كان في استقباله والوفد المرافق له بمطار الملك عبدالله الدولي بجازان، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزير بن محمد بن عبدالعزيز نائب أمير منطقة جازان، وعدد من المسؤولين.
حيثُ لقيَ الرئيس العراقي ترحيباً حاراً وحفاوةً كبيرة على المستوى الرسمي من قِبل إمارة منطقة جازان وعلى المستوى المجتمعي من قِبل زملائه وأصدقائه.
وتنبعُ هذه الزيارة من رغبة فخامتة لإستعادة ذكريات شبابه فيها،
وليستذكر من خلالها اللحظات الجميلة والذكريات المحببة لنفسه أثناء فترة عمله في مشروع التنمية الزراعية بوادي جازان.
لم ينسَ تلك المدة التي قضاها مع زملائه وعلاقته الحميمة بأهالي جازان ،
فكان وفياً لهم ومخلصاً في صداقته معهم لأنهُ وجدَ هذا الشعور فيهم.
فالوفاء من شيم الكرام،
ومن الأخلاق الفاضلة،
وهو سلوك إنساني عظيم.
عشْ ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلَّما
ساد امرؤٌ إلا بحفظِ وفائِه
كانت تلك الأيام التي قضاها في المشروع مليئة بالإنجازات في مجال الأبحاث الزراعية وتدريب المهندسين الزراعيين السعوديين ونقل الخبرات لهم من قِبل خبراء (الفاو) ، وكذلك إرشاد المزارعين في مجال خدمة أشجار الفاكهة الاستوائية والمحاصيل الحقلية.
يعود الرئيس العراقي الدكتور عبداللطيف رشيد إلى جازان إلى تلك الأرض التي صادقَ أهلها وساهمَ في تنمية زراعتها.
يعود إليها بعد أربعينَ عاماً ويحدوه الشوق لرؤية أصدقائه فيها ولمشاهدة حقول الزراعة التي شاركَ في تنميتها.
وهكذا عانقت نخيل العراق الباسقات ( ردايم ) فل جازان الوارفات وكاذيها بعِطرهما الفواح.
وإن مادفعهُ لهذه الزيارة هو ما كان يحملُهُ في ذاكرته من مواقفَ جميلة ونبيلة لأبناء جازان.
لقد أحبَ زملاءه وأحبوه.
فظلَ متمسكاً بالروابط الأَخَوِيَّة القوية التي جمعتُهُ بهم.
لم يتغير مع منصبه الذي تقلده بعد أن أصبحَ رئيس دولة إلا أنه ظلَ محتفظاً بأواصر الود والتآخي مع زملائه من أبناء جازان في وظيفته السابقه في جازان.
فلم يمنعه هذا المنصبُ القيادي المهم من رؤية أصدقائه وآثار جهوده الزراعية في منطقة جازان ( سلة غذاء المملكة) .
فبقيَ متذكراً تلك الصداقات وتلك الأماكن الأثيرة.
إن الكرامَ إذا ما أيسروا ذَكَروا
من كان يألفُهُم في الموطنِ الخشِنِ!
الدكتور عبداللطيف رشيد اعتلى في منصبه،
واعتلى في قِيمِه النبيلة،
فكان في قمة التواضع بهذه اللمسة الوفائية لأهل جازان الذين
قام ببناءِ صداقات ناجحة معهم سواء زملاؤه في العمل أو
المزارعون الذين قامَ بتدريبهم أو ممن هم خارج نطاق العمل،
فحظِيَ بعلاقات طيبة معهم.
كان محبوباً من قِبل الجميع وكان لطيفاً مع من حولَه.
ابتعدَ عن زملائه جغرافياً ولم يبتعد عنهم روحياً ،
بل بقوا في خلجات وجدانه.
مازالت ذكريات الماضي التي عاشها في جازان عالقة في ذهنه.
عَمِلَ في منطقة جازان لمدة أربع سنوات منذ عام ١٩٨٣م إلى عام ١٩٨٦م.
كخبير في تنمية الموارد المائية التي يُطلق عليها الري وكان معه مجموعة من الخبراء الزراعيين حيثُ قاموا جميعاً بتدريب المزارعين على زراعة العديد من المحاصيل التي تُزرع في منطقة جازان،
والتي عُرفت المنطقة بإنتاجها،
ثم مديراً لمشروع التنمية الزراعية بوادي جازان
والذي يضم مركز الأبحاث الزراعية وسد وادي جازان وقنوات الري.
حيثُ كان يعمل في منظمة الأغذية
والزراعة ( الفاو)
التابعة للأمم المتحدة،
والتي تقوم بجهود
دولية لتحقيق الأمن
الغذائي في العالم،
وهذه المنظمة أشرفت
على مشروع التنمية
الزراعية بجازان
بالتعاون مع وزارة
الزراعة والمياه سابقاً.
زار مقر عمله السابق وكان يتمعن في رؤية كل زوايا المكان التي تقبع فيها ذكرياته مع رُفقاء العمل الوظيفي وكذا المزارعين الذين تعامل معهم من خلال إرتيادهم لمشروع التنمية الزراعية بوادي جازان،
وليشتنشق شذى عِطر سيرته معهم المليئة بالعلاقات الحميمة واللطيفة،
وليتأمل بقايا الأمس.
وفي ذلك المكان وبعفوية دار حديث باسم وشيق بين الرئيس العراقي وبين زميليه المهندسين الزراعيين محمد ناصر منور
آل قاسم وعلي أحمد الرفاعي،
وتساءلَ فخامة الرئيس العراقي الدكتور عبداللطيف رشيد عن جميع زملائه الذين مازالت ذاكرته محتفظة بهم واحداً تلو الآخر،
ليطمئن عليهم،
فأخبروه بمن مات منهم فدعا لهم بالمغفرة والرحمة وبمن هو على قيد الحياة فدعا لهم بالصحة والعافية.
قام فخامة الرئيس العراقي بزيارة جازان هذا الجزء الغالي من وطننا العظيم، وطن الخير والوفاء الذي تَحكُمُهُ قيادة راشدة.
لأن لمنطقة جازان ذكرى غالية على نفسه،
إذ تُعدُ محطة من محطات حياته العملية.
رغم طول الزمن إلا أن ذكريات المكان والإنسان في جازان مازالت تتوقد متعة وبهجة في وجدان
الرئيس الدكتور عبداللطيف رشيد ؛
لما لها من قيمة معنوية كبيرة في نفسه.
هُنا تَظْهر شهامة الدكتور عبداللطيف رشيد حينما قدّمَ الوفاء لأصدقائه القدامى ولم يتأثر بالمنصب القيادي الكبير الذي تقلده.
إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ
واللؤمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ
رغم المسؤوليات الجِسام المُلقاة على عاتقة،
والمهام العِظام التي تَشْغَلُ فكره ووقته،
إلا أنه أصر على هذه الزيارة التي تُسجلُ معانيَ قيِّمة لفخامة الرئيس ولأهالي منطقة جازان،
مليئة بالأصالة والنخوة والوفاء والأخلاق الحسنة.
فما قاده لهذا العمل الإنساني النبيل إلا جوهرُهُ المُضيئُ بالنقاء.
وما جعلَ الدكتور عبداللطيف رشيد رئيس جمهورية العراق يأتي إلى جازان للسلام على أهلها من زملاء العمل والمزارعين إلا الشيمُ الكريمةُ لفخامته التي تنمُّ عن حُسن خلقه وتواضعه وأصالتِه ومعدنه الثمين،
ولِمَا وجدَهُ في أهلها من نُبل الأخلاق ولطفِ التعامل
والشِيَم والطِّيبَة
والكرم والأُلْفة.