محمد الرياني
لا أعرفُ ماذا حصل للعالم في غيابي ؟ لا أعرفُ أيضًا لمَ اختارني النومُ مبكرًا مساءَ أمس ؟
كنتُ بالفعل في غايةِ التعبِ والإرهاقِ ومع هذا لم أخطط للنوم ؟ لكنَّ النومَ ما إن رآني أسترخي على الفراش حتى أجهزَ عليَّ بلباسِ العملِ ومقابلةِ الناس ، غبتُ كثيرًا عن مشهدِ الحركةِ في الليل ، حالاتُ الوهنِ والتعبِ التي كانت تداهمني أحيانًا غابتْ هي أيضًا وأنا مستغرقٌ في رحلةٍ سرمديةٍ في عالمٍ آخر غير عالمنا ، لا أعرفُ ماذا دار في نشراتِ الأخبار من أحداث في العالم ، مضى الليلُ بكامله ولم يخرجني من عالمِ اللاوعي إلا انقضاءُ مهمةِ هذا الذي ألقى القبضَ على مفاصلِ الحركةِ عندي كي يمضي الليل ثم يسلمني للنهارِ الجديد ، فتحتُ عيني من جديد ، شعرتُ بأن رجلًا شريرًا ضربني بسوطٍ من الشوكٍ على سائرِ جسدي ويريد مني أن أتحركَ من جديدٍ في النهار ، عبثًا أحاول أن أتخلصَ من حالةِ التعب ، أحاول أن أزيلَ الآلامَ التي أحدثها الغيابُ والبعدُ عن الآخرين ،بدأتْ بعضُ البشائرِ تلوحُ لي بأنني سأكون أفضل ، بصري بدأ يستعيدُ قواه ، أخذتُ دشًا من الماءِ ساخنًا بعد أن تخلصتُ من ملابسي التي التصقَ بها التعبُ ورائحةُ السفر ، اتجهتُ إلى الشارعِ القريبِ لأرى حركةَ المشاةِ والعابرين ، القططُ الصغيرةُ خرجتْ تبحثُ عن طعامٍ أُلقيَ به في براميلِ النفاياتِ وهي تموءُ بصوتٍ مخنوقٍ ضعيف ، وصوتُ كلبٍ ينبحُ في الطرفِ الآخر في بقايا الليل التي تريدُ الانسلاخَ من النهار ، الهدوءُ يسكنُ النهارَ في أوله باستثناءِ بعضِ سياراتِ النقلِ الصغيرةِ التي تحمل الدوابَ باتجاه السوق ، مشيتُ موازيًا للشارع ، لاأخبارَ حدثتْ في العالمِ وأنا غائبٌ عنه ، اشتقتُ لكوبِ الحليبِ الساخنِ مع الشاي وفطيرةٍ من الدقيق كي أزيدَ من وتيرةِ العطاءِ عندي ، سألتُ نفسي ! هل سيأتي الليلُ مشابهًا في نهايةِ النهارِ وأستسلمُ للغياب ؟ قلتُ لنفسي لا .لا أعتقد ، ليستْ كل الليالي متشابهة ، الليلةَ سألبسُ لباسًا رياضيًّا وسأذهب إلى مضمارِ الحديقةِ كي تنشطَ أوردتي لتقاومَ التعبَ والتثاؤب ، وردني اتصالٌ من صديقي يسألني عن سفرِ أمس وماذا أحدَثَ بي ؟ وهل غبتُ مثله عن عالمنا ؟قلتُ له اسكت . لقد كان سفرًا شاقًا ياصديقي فقدتُ فيه روحي ليلًا كاملًا ، افعل مثلي الآن ، بدِّل ملابسكَ وارتدِ ملابسَ راضيةً واركض حولَ أقربِ مضمارٍ في محيطكَ كي يأتي الليل وقد تشبعتْ شرايينك بالمزيد من الأوكسجين ؛ قد نغيبُ عن العالمِ ويأتي صباحٌ جديدٌ نتفقدُ فيه المفاصلَ من التعب .