(السياحة و السفر)
……………………….
أيها المُتقاعد ، يقول الإمام الشافعي رحمه الله في فوائد السفر:
تغرب عن الأوطان في طلب العلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائدِ
تفريجُ همٍ واكتسابُ معيشةٍ وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدٍ.
ويقول أيضاً:
سافرْ تجدْ عوضاً عمّن تفارقُه وانصب ؛ فإن لذيذ العيش في النصبِ
إني رأيت وقوفَ الماء يفسدُه إن ساحَ طابَ وإن لم يسحْ لم يطبِ
والشمسُ لو وقفت في الفلك دائمةً لملّها الناسُ من عجمٍ ومن عرب.
أجمل ما فعله الشافعي أنه اختزل فوائد السفر بعبارات قليلة ولكنها عميقة وتحمل في طياتها مضامين وأفكاراً كثيرة ، لو أردنا تحليلها ، لن يكفينا مُجلّدٌ في الشرح والتوضيح..
يقول أحد الكتاب:
” نحن لا نسافر للهروب من الحياة ولكن كي لا تهرب الحياة منا “..
أيها المُتقاعد ، اِعلم أن السفر متعدد الأغراض حسب حاجة السائح المسافر ، فهناك سياحة:
( دينية ، ترفيهية ، ثقافية ، علاجية )..
يقول المثل العربي:
“من يعيش يرى كثيراً ، من يسافر يرى أكثر “..
أعظم السفر هو السياحة (الدينية) ، نحن كمسلمين ما بين الحين والآخر نهرب من ضغوط البشر وتكالب الحياة لأطهر البقاع على وجه الخليقة
(مكة المكرمة و المدينة المنورة)
نلجأ إليها سائحين للترويح عن أنفسنا ونتجه لبيت الله الحرام كي نفرغ ما في أرواحنا المتعبة لله الواحد الصمد ونطهّر قلوبنا وعقولنا من الشوائب التي علقت بنا أثناء رحلة الحياة ، ثم نتوجه لمدينة رسولنا محمدٍ الكريمِ – عليه أفضل الصلاة والسلام- طالبين الأُنس بجواره والاطمئنان في رحاب مدينته..
أيها المتقاعد ، ستكون وجهتك للحرمين الشريفين متاحة في كل وقت ، تذهب لها متى ما شئت دون قيود العمل ، فأنت مَلِكٌ الآن ، لن يمنعك شيء عن زيارتها والسفر إليها منفرداً أو مع من تُحِب من الأهل والأصدقاء ، أكثر من التردد عليها والسفر إليها ، واجعل فؤادك دائماً متعلقاً بها..
وعندما تبدأ أيها المتقاعد بالتخطيط للسفر عليك أن تبدأ ببلدك وموطنك ، تجوّل فيه سائحاً من أقصاه لأدناه ، وتعرّف عليه شِبراً شبِرا ، واستمتع بتنوع تضاريسه وجمال أجوائه وقف على ماضيه وتعلم منه وانظر لحاضره وافتخر به ، واعتز بأنك تنتمي له..
نُكمل أغراض السفر و السياحة ، غرض السياحة (الترفيهية) أو كما يحلو للبعض تسميتها السياحة الترويحيّة ، تأتي بالدرجة الثانية بعد السياحة الدينية ، لغرض إدخال الفرح للنفس و إراحة الروح..
يقول الدكتور والكاتب غازي القصيبي:
” عوّد نفسك على الفرح حتى يعتاد هو عليك ، وأعطِ نفسك الأمل حتى تجد الدنيا بين يديك ، افرح بما لديك حتى يأتيك أكثر مما تتخيل “..
و من هنا أبدأ بتنظيم رحلة سياحية ترفيهية مع من تُحب إلى وجهة أنت ترغبها وتأنس بها ، شاطئية أو بريّة أو جبليّة أو ريفيّة ، وتخيل أثناء التنظيم مدى الفرح الذي سيتسلق قلبك ، والأمل بقضاء وقت مُمتع أثناء الرحلة ، ضع جدولاً للرحلة يتناسب مع ميزانيتك الماديّة ، حتى وإن كانت المادة المتاحة في يديك بسيطة أسعد بها و افرح بالمتاح بين يديك وعش كل لحظة بسعادة و تلذذ بها..
أيها المتقاعد ، هل فكرت في يومٍ ما بتنظيم رحلة (تثقيفية)..؟
السياحة الثقافية تجمع غرضين في ذات الوقت الترفيه والتثقيف ، وهذا الغرض من السفر لن أقول عنه نادر الوجود ولكن التفكير به من بعض البشر قليل جداً ، مقارنة بالسياحة الترفيهية..
هذا النوع من السفر لا يُجدي نفعاً أو يُؤتى ثماره للشخص إلا إذا كان منفرداً أو بصحبة شخص واحد فقط ، ولا تستطيع أن تفرضه على عائلتك إذا كُنت مسافراً معهم ، يعود السبب في ذلك ؛ لاختلاف الميول بين الأفراد في العائلة الواحدة من الكبير قبل الصغير سواء ذكورا أو إناثا..
لأنك ببساطة سوف ترتاد أماكن قد لا يميلون لها ولا يحبذونها ، مثل الأماكن التاريخية والأثرية – القلاع والقصور – ؛ لتزيد من ثقافتك عن المنطقة التي سافرت إليها ، وستبحث عن المعارض القديمة والحديثة سواء كانت معارض
” سياسية أو عسكرية أو فنيّة أو حرفيّة أو صناعيّة ” ؛ لتقف على ثقافة البلد الذي تزوره و الاطلاع على حضارته القديمة قبل الحديثة..
ستحتك بالسكان الأصليين للبلد وتتعرف على أصناف شتى من العادات والتقاليد والأعراف لديهم ، سوف تتذوق أشهر الأطعمة رواجاً بينهم ، ستتعرف على لغتهم المحليّة الدارجة بينهم والموسيقى الشعبية الشهيرة لديهم ، وأشهر الديانات و الطوائف عندهم..
يقول جيمس مينشنر:
” إذا رفضت الطعام ، وتجاهلت العادات ، وخشيت الديانة ، وتجنبت الناس ، ستكون أفضل في البقاء في المنزل ” ..
ألم أقل لك: إن هذا النوع من السفر لا يتناسب إلا مع القليل من البشر ، ولا يُفكر به إلا النادر منهم ؟
يقول الرحالة والعالم ابن بطوطة:
” السفر – يتركك بلا كلمات ، ثم يحولك إلى راوٍ للقصص “..
إذاً عليك أيها المتقاعد أن تتقمص دور الرحالة -ابن بطوطة- وتبدأ بتنظيم مثل هذه الرحلات السياحية التي تُثير الشغف و تبهر الحواس وتُغذي الروح..
بينما السياحة (العلاجية) والسفر للاستشفاء من مرض معين ، أجاركم الله ومن تحبون من كل الأمراض السيئة -الجسديّة أو العضويّة والنفسية- هذه الرحلات ينظمها الشخص مضطراً عند المرض وللبحث عن علاج ، أسأل الله أن يجنبكم مثل هذه الرحلات..
وإليكم أروع العبارات من أشهر العلماء والكُتّاب والفلاسفة التي قيلت في السفر والسياحة:
” لا شيء يطور الذكاء مثل السفر ” إميل زولا..
” يجب أن يسافر المرء ليتعلم ” مارك توين..
” انظر إلى العالم ، إنه أكثر روعة من أي حلم ” راي برادبري..
” الاستثمار في السفر هو استثمار في ذاتك ” ماثيو كارستن..
” الحياة إما مغامرة جريئة أو لا شيء ” هيلين كيلر..
” أحب الشعور بأنني مجهول في مدينة لم أكن فيها من قبل ”
بيل برايسون..
” لا تتردد أبدًا في الذهاب بعيدًا ، إلى ما هو أبعد من جميع البحار ، وجميع الحدود وجميع البلدان ، وجميع المعتقدات ” أمين معلوف..
” هناك نوع من السّحر في الذهاب بعيدًا ثم العودة متغيرًا “كيت دوغلاس ويغين..
” السفر هو التطور ” بيير بيرناردو..
” بمجرد أن تلدغك دودة السفر ، لا يوجد مضاد معروف ، وأنا أعلم أنني سأكون مصاباً بسعادة حتى نهاية حياتي ” مايكل بالين..
” المسافر الجيد ليس لديه خطط ثابتة ، وليس مصممًا على الوصول ” لاو تزو..
” لم أكن في كل مكان ، ولكنها على قائمتي ” سوزان سونتاج..
” المسافر يرى ما يرى ، والسائح يرى ما جاء ليراه ” جيه كيه تشسترتون..
” الوجهة ليست مكانًا ، بل طريقة جديدة لرؤية الأمور ” هنري ميللر..
” توقف عن القلق بشأن العقبات في الطريق واحتفل بالرحلة ” فيتزهيو مولان..
” مرة واحدة في السنة ، اذهب إلى مكان لم تذهب إليه من قبل “الدالاي لاما..
” السفر ليس شيئا تجيده ، إنه شيء تفعله ” جايل فورمان..
” السفر هو العيش ” هانس كريستيان أندرسن..
” السفر هو اكتشاف أن الجميع مخطئون بشأن البلدان الأخرى ” ألدوس هكسلي..
” العالم كتاب ، وأولئك الذين لا يسافرون يقرؤون فقط صفحة واحدة ” القديس أوغسطين..
” السفر يجعل الإنسان متواضعاً ، ترى مكانك الصغير في العالم ” جوستاف فلوبير..
” إنه في المغامرة فقط ينجح بعض الناس في معرفة أنفسهم ، في العثور على أنفسهم ” أندريه جي..
” السفر قاتل للتحامل ، والتعصب ، والعقلية الضيقة ” مارك توين..
” لست نفسي بعد أن رأيت القمر يشرق على الجانب الآخر من العالم ” ماري آن رادماكر..
” لا أحد يدرك مدى جمال السفر حتى يعود إلى الوطن ويستريح رأسه على وسادته القديمة والمألوفة ” لين يوتانج..
” المسافر بدون ملاحظات هو طائر بلا أجنحة ” مصلح الصاعدي..
” كلما ذهبت بعيداً ، كلما اقتربت أكثر من نفسي ” أندرو مكارثي..
” كل حالم يعلم أنه من الممكن تماماً أن يشعر بالحنين إلى مكان لم يذهب إليه أبداً ، ربما أكثر حنيناً من الأرض المألوفة ” جوديث ثيرمان..
” إذا كنت تعتقد أن المغامرة خطيرة ، جرب الروتين ، إنه قاتل ” باولو كويلو..
.
أيها المُتقاعد ، السفر حياة أخرى تُضاف لحياتك ، عش مرتين مردداً ، شعارنا الدائم..
(متقاعد ، لا تكلمني)..
………………..
الكاتبة:أحلام أحمد بكري