محمد الرياني
بعد التعب جلس على مرتفع كي يضربه الهواء، يضع ساقيه بشكل بارز وعليهما آثار الطين، كلما نظر إلى ساقيه شعر بالسعادة وهو يتذكر كلام أمه أن تأخره في المشي جعل منهما مقوستين، كبر وكان أكثرَ أقرانه سرعةً وهم يستغربون من ركْض قائمين معوجيْن، آخر مرة جلس فيها على المرتفع مروا بجواره وعرَقُه يقْطر بينما يختفي جلد رجليه خلف التراب، ظلوا يتهامسون فلم يلق لهم بالا، أراد أن يستفزهم أكثر، قرّبَ أنفه من رجليه وجعل يشمهما، كان يستروح منهما رائحة الطين وشذى الزرع، صدح صوته بأغنيات الفلاحين، الهواء الريفي ألقى بالصوت بعيدا، ذهب به نحو الحقول، سمعته العصافير فاجتمعت كي تغرد على رؤوس المساحات الخضراء، الصارمات للسنابل كنّ على أطراف الحقل فأقبلن مسرعاتٍ نحو الصوت الرخيم، استمرّ يغني وهو ينظر إلى ساقيه وقاطفات الحبوب من رؤوس الذرة يزددن نشاطا، الشامتون من المقوستين عادوا من جديد نحو القروي الذي حرك الحياة في الموسم الجميل، عندما همّ بالمغادرة أقسموا عليه إلا أن يبقى في مكانه، أبدوا رغبتهم في أن تودع الشمس يومهم على صوته، لم يخيّب ظنهم، أنشد للحصاد وللحقول وللموسم الأخضر وللطيور السابحة في الفضاء نحو الأعشاش، كما أنشد للمغادرات وعلى ظهورهن سلال السنابل، كان يغني وينظر إلى رجْلين وُلِدتا مُتعبتين وعلى ظاهرهما شذى الطين.