محمد الرياني
وقف في الميدان الكبير، غطّى رأسه بمظلته المستديرة ناحية الشمس من أجل عينيه، قال لهم : ثلاثون عامًا وبائع الفجل يبيع لنا الحزمة بالثمن نفسه، اتجه نحو البائع وسأله بكم الحزمة؟ أشار إليه بإصبعه، ألم أقل لكم إنه يبيعها بالسعر نفسه؟ ظل يخاصم ويحرك يده حول عصاه التي ركزها في الأرض ليتكأ عليها وقد تجمهر أهل السوق حوله، حاولوا تهدئته وهو يردد كلامه، قالوا له هدئ من غضبك، ستهوي عصاك على الأرض وأنت معها ولن تستفيد شيئا، قربوا إليه كأسًا به ماء بارد، شرب منه ومسح وجهه، جلس تحت الظل ولايزال يتمسك بعصاه ورأسه على الأرض، عاد إلى الكلام من جديد، هل سمعتم بالتاجر..ِ..؟ لقد كرموه أمس! ذلك الذي كان يبيع الأشياء مضاعفة وهو يشير إلى المحل الكبير، هذا الدكان بناه على حسابنا، لو فعل صاحب الفجل مثله لما كان يجلس على الأرض على كيس من أكياس الحبوب الفارغة، أشعر بالقهر وسأموت من المجاملة يا أهل السوق، نطق بائع الفجل، ارحم نفسك! هذا رزقي وأنا راض به، الفجل من الأرض وهي بمكانها، تعال إلى جواري حتى تهدأ، أقبلت امرأة مسنة ومعها عملة مقطوعة من طرفها، ناولته وهي تعتذر، أخذها منها وناولها حزمة في قمة الاخضرار، دعت له وهي تبتسم، ابتسم لها أيضا وهو يضع العملة أسفل الكيس الذي يجلس عليه، جاء طفل صغير ليشتري، زمر صاحب الألعاب بلعبة، اشترى اللعبة وترك الفجل، عرف البائع أن الصغير نسي كلام أهله واشترى اللعبة، نادى عليه وناوله حزمة، عاد الطفل إلى أهله يحمل الحزمة وينفخ في اللعبة المزمار، نهض صاحب العصا، عاونوه على النهوض، بدا هادئًا، قبّل رأس البائع وقد ذهب غضبه،ارتفع صوت المزمار من جديد، رجع الطفل ليدفع ثمن الحزمة، رقص صاحب العصا محتفلا….