بقلم / رجاء عبد الله العطاس
بالأمس رأيت الصداقة رجلاً شامخاً يقف بين دمعات أمي و هي تضع القبلة الأخيرة على جبين صديقة قلبها و دربها و تفاصيل يومها ( خالة سلمى )
بالأمس تأملت معنى ( صديق ) في ثريد صادق من الدمعات الممتزجة بوجع الرحيل ..
دمعة أمي حملتني مع قافلة الذكريات لتأمل معنى الصداقة ..
لحث الذاكرة على استرجاع تلك الملامح التي قدر لها الرحيل
( خالة سلمى ) بمفرق شعرها الجميل الأسود
بضجيج صوتها الذي ملأ أرجاء الحي حياةً و مرح ..
بقرع قدميها و هي تخطو للمسجد كل عشية لتلاحق ركب الحافظات ..
بدخان بخورها الذي تزاحم به صفوف المعتكفات في ليالي رمضان بجامع حينا ..
بجدائل الفل التي تتقن نظمها على هامات عرائس الحي و أولهم ( أنا )
بالأمس تجسد معنى الصداقة العملاق الذي نجهله و جسدته بعمق علاقة أمي بخالة سلمى
الصداقة بمعنى البقاء على الدرب الجميل الراقي الذي غاية منتهاه ( رضا الله )
الصداقة بين مقاعد الدرس في مسيرة حرص سيدات الحي على التعلم ترافقهن خالة سلمى التي طالما رسمت البسمة على شفاة أمي ..
الصداقة التي نشد بها الأيدي لنصبح ممن قال عنهم رسول الأمة ( صلى الله عليه و سلم ) : ( خيركم ) لنتلو و نسترجع الآيات و الأذكار في حلقات الذكر ..
الصداقة التي لا أذوق من الطعام أشهاه و أطيبه دون أن تصل لذته لثغر صديقتي و دون أن تمتزج حرارته بحرارة الوصل معها ..
الصداقة هي ديمومة العطاء و ديمومة الوصل الأنيق و ديمومة الحفاظ على العهد و الود ..
دمعة رأيتها على وجنة أمي الشامخة التي تأبى الخنوع أمام قسوة الأيام و الظروف .. و لكنها سقطت على جبين رحيلها الموجع الذي باغتنا برحيل من كانت تملأ مجالسنا بطرفاتها التي لا تنتهي ..
دمعة أمي أثارت غبار الوهم عن كثير من الصداقات ..
دمعة أمي على ناصية الدرب ( فنار ) ينير لقوارب و سفن البحر الهائج المكتظ بصداقات بين الصدق و التملق و الإيثار و الأنانية و البقاء و اللا بقاء ..
ذاك الفنار سار بي على مرافيء الصداقة التي تمتد أفقياً على خارطة العمر .. و تثمر بعد الرحيل دعاء ..