محمد الرياني
في المطعم الشعبي لايهم توزيع الطاولات وترتيبها، المهم أن تقدم وجبات السمك المخلوط بالإدام في أطباق معدنية لم تعد تتوفر في الأسواق الآن ولكنها تكسب الأسماك مذاقًا على الأقل لأنها تعطي للون الأحمر وقطع السمك نظرة مختلفة، الطاولات القديمة تشكل حبًّا للقطط التي تأتي كل يوم لتتمسح بقوائمها الخشبية وأرجلِ الذين يأتون للفطور خاصة في الأيام التي يشتد فيها البرد أو يزداد الجوع، أنا لا أهتم كثيرًا بملء بطني وإن بلغ بي الجوع مابلغ، يظل رفقتي ينادون عليّ والأكل يثور حتى يبرد وأنا مهتم بأمر القطط، كثير من الوقت أقضيه لإطعامها ، أجد متعة في وضع بعض القطع الصغيرة وهي تتسابق لأخذها عبر صراع لايخلو من استعمال المخالب ورفع الأصوات من أجل إفطار، يومٌ من الأيام أَنفتُ عن مشاركتهم تماما، في المرات الماضية كنت أتناول ماتبقى من زوائدهم في الأطباق الدائرية التي يمتعني الرسم الجميل ذو اللون الأخضر في معظم حيزها ولكن هذه المرة لفت انتباهي قطٌّ يبدو أنه فقد حاسة البصر، عرفتُ ذلك من خلال تأخره عن جماعته، واصطدامه بالكراسي والطاولات، حاسة الشم لديه لاتزال تعمل بكفاءة ولكنه لايستطيع فعل شيء بقوائمه أو منازعة الآخرين، كل هذا شاهدته وهم ينتظرونني، اتجهتُ صوب القط الذي يبدو أنه فقد بصره منذ فترة، جلده يبتعد كثيرًا عن هيكله بفعل الجوع، أخذتُ الصحن المعد لي ووضعته أمامه وجلستُ أحرسه حتى شعرتُ أنه شبع بينما أعين القطط الأخرى تنظر إليّ وكلها غضب من مجاملتي لهذا الأعمى، جاءوا نحو الصحن فلم يجدوا سوى الرائحة النفاذة التي يعرف بها السمك، عدتُ إلى مقعدي، طلبتُ وجبة أخرى ثم جلست لوحدي والبقية يغسلون أيديهم، لاحظتُ أن القطط الأخرى تنتظرني متى أشبع ويمتلأ بطني؟