مقالات مجد الوطن

ليلى

 

محمد الرياني

لطالما كنتُ أستمتع بأحاديث جدتي ليلى، خصوصًا حكايات الصباح التي تقطر من فمها كالندى، وجدتي ليلى ليست جدتي الحقيقية ولكني أناديها مع أقراني الذين يهربون من الملعب القريب ليشربوا من الزير الذي تغطيه من الشمس كي يبرد، فأناديها جدتي، ثم هي تحنُّ علينا كأحفادها، جئتها يومًا وهي تطحن ببطء على آلة الطحن الحجرية، العارضُ الصخري الذي تحركه بيديها على المطحنة ليجعل الحب دقيقًا يبدو ثقيلًا لدرجة أنها تتوقف بعض الوقت لتأخذ نفسًا ثم تعود للحب وترشه بالماء ليرطب ويسهل طحنه، على الظلّ الذي يتمدد أسفل بيتها يأتي كتكوك صغير ليلتقط حبة أو حبتين ثم ينصرف، أناديها ياجدة ليلى: الديك…. الديك، تضحك عليّ وهي تصدر صوتًا مدويًّا على المطحنة مع قرب الانتهاء من الطحن : هذا الزقلُ الصغير سيكبر يومًا من هذا الحب وستأكله، شجعتني لأضع يدي في الوعاء الذي به حب لم يطحن لأملأ كفي وأرميه للديك الصغير، رآني فجاء مسرعًا ولكن العصافير هبطت من أعلى لتسلبه منه وتطير على عجل دون أن تستمتع بجو الصباح وتأكل على الأرض، نظر إليَّ وكأنه يشتكي غزو العصافير، تمنيتُ أن معي جناحين لأطير وأنتصر له ، قالت لي : مدّ يدك ثانية وتجمل من الديك، ألا ترى العصافير سلبته فرحَته ، فرحتُ ولا أعرف كيف وقفتُ لأقبل رأسها بينما الطائر الأليف ينتظر يدي لتمتد إليه، أحضرتُ صحنًا وملأته له كي يأخذ راحته في التقاط الحبوب، لم يكن يعلم أنه يهرب على الأرض ولايهرب من السكين إذا كبر، جدتي ليلى تتصرف ببراءة كي لايجوع أحد، وضعت الطحين في فمي لأطعمه وتركتني لإشعال التنور، شبع الديك وذهب يصيح، العصافير التي طارت لم تعد خوفًا من اصطيادها والحب لايزال كما هو في بطونها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى