محمد الرياني
وحيدًا وجد نفسه، يتنفس بلا منافس، الأزهار حوله بدت ذابلة أشبه بأرامل شابات، صمتت أفواه الطيور التي تغرد كل يوم واكتفتت بالضرب بمناقيرها على أطراف الغرفة ورؤوس الشجر، يسأل نفسه عن يوم جاء كئيبا، فجأة حضرت قمرية وسط الكآبة، تخيّلَ أنّ العالم كله حضر على جناحيها، وأن أغنياته جاءت لتطرب الصباح عبر منقارها الصغير، العصافير التي تراقب من علوٍّ تخلت عن صمتها وجاءت لتشارك القمرية شدوها، لم يكن بالساحة حبوب أو فتات خبز تقتات منه حتى تتألق طربا، أمعقول هذا ياطيور؟ !! كلُّ هذا الغناء من أجلي وبطونك خاوية، لم يكن يعرف أن الطيور قد شاهدت صاحبتها قبله، امتلأ المكان بالحبوب، هذا حَبٌّ أصفر وهذا أبيض وهذا أحمر، صوتها أتى من الخلف كتغريد العصافير، نادته دون أن يراها، شعر باختفاء بعض ألم ظهره الذي أقعده عن سقيا الأزهار ونثر الحبوب للطيور ، اقتربت منه معاتبة ولاتعلم حجم الألم، تأوه وهو يضع يده على ظهره، وضعت يدها مع يده واتجها نحو الشجر، أحس بأنفاس الزهور تشارك أنفاسه مع رائحة التراب ، رجعا إلى الظل وقد التهمت العصافير كل الحبوب وهي في طريقها صوب سقف الغرفة، اعتادت مع كل لحظةِ شبع أن ترفرف بأجنحتها وهما يبادلانها التوديع بالتلويح، جلست إلى جواره وهو يحدثها عن الألم الذي أصابه في غيابها، وعن العصافير التي جاعت والأزهار التي فقدت نضارتها، وعدته أن تأخذه معها في كل مرة، تفرقت العصافير بعد أن طالت أجنحتها وأنجبت غيرها ، انتقل ألمُ ظهره إلى ظهرها ، مكثا على السرير في الظل بانتظار الأجنحة التائهة، كانت تنظر إلى بعض الأزهار الباقية، وضعت يدها على ظهره ، وضع يده على ظهرها واتجها بتثاقل يعيدان للأزهار الذابلة بعض حياة.