محمد الرياني
الصفحةُ الأولى اكتفى فيها بكتابة المقدمة، قال لها: إليكِ يا أول الرؤيا، لم تختلط كلماتهما بعد، ولم تتأقلم على أجواء الكلام ، ختم سطور المقدمة بأنها الوحيدة التي سكبت في مؤخرة قلمه مع الحبر جنون البداية، وقّع بأناقة في الربع الأخير الأيسر من الصفحة، في الصفحة الثانية استرجعَ حديثها معه وترددها من أن تنزلق منه عبارات الرفض أو الانتقاص، ومع هذا كتبت كما تفعل الغانيات بالحروف على الورق الملون، عبّرت عن مشاعرها واكتفى هو بالضحك وتحسس مواضع الشعر الأبيض حول أذنيه، في الصفحة الثالثة انخرط عقد الحروف عنده، لم يستطع كبح جماحه فتفجرت مشاعره، نثر حبه على الصفحات كلها، أجّل صفحة الختام ليوم آخر، يريد للصفحة أن تكون مسرحَ العرس وليلَ الاحتفال وجدائلَ الفل والمطربات وعقود الأنوار، انتظر إطلالتها ليزف المفردات بالحروف قبل أن يمسك بيديها من على المسرح، اختفت في ذلك اليوم تمامًا وهو قلق على نار ، عاد لقراءة سطوره لها مرة أخرى من الخلف إلى الأمام، قلّب الصفحات كمن يمشي عكس السير، لم تطاوعه الحروف فلم تسايره للاحتفال كما فعلت من قبل، عبثًا حاول اقتيادها نحو المقدمة، انتظرَها لتفرج عن النهاية فلم تفعل شيئا. أمسك الأوراق التي سطرها لها بعنف، مزقها ورقة ورقة بحروفها وبهجتها، وصل عند الصفحة الأخيرة يريد اختصار الخاتمة ، وجد الحبر قد أصابه الجفاف.