محمد الرياني
آخرُ وصيةٍ قالتها له قبل ذهابه إلى السوق، قالت له: لاتنس أن تشتري السريرين، فكر وهو قادر على شرائهما ولم تذهب وحشة المكان بعد ، تجول في سوق الأثاث ، هذا سرير ذهبي وهذا خشبي، بعض الأسرة ناعمة الملمس وأخرى من الحديد، سأل عن أسعارِ التي تتسع لاثنين وتلك التي تكفي لواحد ،وقع نظره على سرير أنيق يكفي لمنفرد، تمدد عليه وتقلب على جنبيه ذات اليمين وذات اليسار ، اشتراه وعاد إليها يحمله وهو ينتظر سؤالها عن الثاني، وضعه ملاصقًا لأحد الجدران، رتبه وهي تنظر إليه صامتة متعجبة، دعاها لتجربته بنفسها، سألته عن سريره ، مازحها بأنه يحب النوم على الأرض، أشفقت عليه في أول خطواتهما نحو الحياة، رأت أن السرير لايكفي لاثنين فاقترحت عليه أن يضع جسده معها على حافة السرير وسيكفيه طرف اللحاف إذا أحس بالبرد، اكتفت بالضحك ببراءة على هذا الظريف الذي اختارته ليؤنس وحدتها، تركت له العارض وجزءًا من السرير، عاتبته على أن اشترى سريرًا واحدا، لم تصفه بالبخل في بداية المشوار، وعدَها في اليوم الثاني أن يأتي بالآخر لتبيت في راحة، نامت بهدوء وهو يجول ببصره في سقف الغرفة ويقرأ في صمت تراتيل الحياة القادمة حتى الصباح، تجهز للذهاب إلى السوق ليجلب له سريرًا كي لايضايقها، دعته للتأجيل حتى تقرأ مثله ملامح الليلة الثانية، بات على الطرف وهي تتمتم في الظلمة معنى الوفاء، في اليوم التالي أحضر سريره فخرجت الغُربة من نافذة الغرفة كطائرٍ متوحش ، ألصق سريره بسريرها وأمضوا الوقت كما كانا في الليلة الفائتة ، تركا السرير الآخر لساعة الوحشة إذا حضرت.