محمد الرياني
في الغرفة الصغيرة طاولةٌ خشبيةٌ مهترئةٌ من تسربات الماء والزيت ، فوق الطاولة تربض طبّاخة خضراء اللون في قعرها حوض لتعبئته بالكيروسين، وحولها شرائح من البصل والثوم، وعلبة ملح وأخرى للبهارات، تسكن في الغرفة سيدةٌ في الستين من العمر، تحب أن تسمع أخبار العالم من خلال مذياع معلق بمسمار في أحد الأركان، تتوسط نافذة خشبية منتصف الجدار الجنوبي لتقذف منه الماء وبقايا الطبخ، وفي الجهة الشمالية باب خشبي صنعه لها نجّار يسكن في الحي، يحلُّ الليل فلاتتأخر كثيرًا عن النوم، تشرب ملعقة من زيت السمسم وبعض الأحيان تضع بعض الزيت على مناطق من رقبتها وعلى جبهتها، تعتقد أنه يجلب التنفس ويرخي العضلات، تنام وصوت المذياع لايزال يرتفع بالقرآن والأحاديث، صغار الجيران عندما يزورونها يعبثون بمؤشر البحث نحو إذاعات أخرى تتداخل فيها الأصوات، تطلب من الآخرين إعادة المؤشر إلى جهة تشير بإصبعها عليها، لايتسخ بيتها كثيرًا فلديها مكنسة من سعف النخل اليابس، تنزل إلى الأرض وتطارد بعض المخلفات البسيطة وتجمعها على قطعة كرتون وترميها في مساحة الفضاء جوار الباب، جاءها أحد الزوار من أقاربها بعد أن شمّ رائحة طبخها يوما، مازحها أنه يريد أن يتغدى عندها، رحبت به وقامت إلى الطباخة توقدها، فتحت الحوض الأسفل فلم تجد به (جازًا) وهو ينظر إليها، انسلَّ بخفة واتجه لصاحب البراميل الذي يبيع الجاز وعاد مسرعًا، ساعدها في ملء الحوض وأشعل لها الطباخة، وضعت أرزًا بنكهة البهارات والتوابل والفلفل الأحمر الحار وتركته حتى يقترب من الاستواء، قطّعت بعض البامية عندها إلى قطع صغيرة ووضعتها في أعلى الأرز، قال لها : ما أروع طبخك ياخالة! سحبت القدر من على النار ووضعته على الأرض ونادت عليه أن يتفضل على الغداء، فتحت المذياع ليشاركها الاستماع ، لم يكن المؤشر في مكانه المعتاد، سمعت صوت مذيع يتحدث في إعلان عن فيلا ورخام ومطبخ وديكور ووو، أرخت سمعها وهي تسأله عن ذلك وهي ساكت، نزعت المذياع من المسمار وناولته ليستبدل المحطة حتى وصل إلى محطتها، أعادته إلى مكانه وفتحت النافذة الخشبية لتدخل منها أشعة الشمس، بجوار الباب وجدت العصافير تبحث عن طعام، نثرت لها بقايا الأرز فأقبلت ترفرف، قالت لضيفها : العصافير عندي أغلى من كل القصور، اقترب منها ولايزال في القدر بقايا ، تكاثرت العصافير وهو ينثر لها بقايا الأرز.