محمد الرياني
– يحبُّ تلك القابعة خلف المستحيل، الفواصل التي بينهما هي أعتى من النتوءات في طريق طويل ، الحُبُّ الذي يخبئه عنها لم يعترف لها به ، يهرب عن المواجهة لأجلها ، يلتصق حروف لوعتها بمسمعه ومع هذا يبدي لها عدم فهمها، أشجانه التي استوطنت بما يشبه أرضًا قاحلة انشقت لتزرع من جديد لايريد لها أن تطول أكثر ، لا يزال يتذكر آخر حوار لها معه، الألم الذي على شقه الأيسر يؤلمه لدرجة لاتطاق ، تضربُ قبضةُ يده اليمنى بين وقت وآخر على موضع الألم لتخفف وطأته ، يصمت ثم يعود للحديث معها ، يضمد جراحه ببعض التسلية العابرة، اتهمَ وجبةَ العشاء الدسمة التي تناولها متأخرًا بأنها السبب وراء هذه النغزات الزائرة، شكَّ في أن الجهاز الذي اعتاد على حمله في كفه اليسرى أتلف أعصاب يده ، اهتمامها بالسؤال عنه يشعره بأن أشياء أخرى يمكن أن يستعيدها من جديد أو يسترجع بعضها، قرر في فورة الوجع إعفاء يده المريضة من مهامهما الثقيلة، ومنعها من أن تكتب أو تستسلم للرد وهي تحمل جهاز الاتصال العجيب، مدَّ يده متوازية مع جسده لتستريح من عناء المتعة المذهلة، نام على الشق الأيمن ليخف عن الآخر الحمل، في الصباح شعر ببعض الراحة فاشتاق لصوتها الرخيم، تحجَّرَ كل شيء في جمجمته العتيقة، نضبَ منهلُ الحروف التي كانت تنهمر من أعماقه كالشلال، قال لها في اشتياق : الحروف التي نبتت في صدري لم تقو على مواجهة العواصف ، يبدو أن سيقانها ولدت قبل أوانها، أو أن أرضها أجبرتها أن تبقى في أحضانها، فاجأته بأنها ستسقي الأرض من جديد ، وستملأ الشقوق حروفًا خضراء حتى تضم المشاعر الهاربة أو التي تفر من حِمم جوفها الملتاع ، حذرها من إهدار الماء على أرض لاتجدي معها السقيا، هيامها الجارف دفعها لأن تقول له سأعيش على رفات الأوراق المدفونة، أكدت له خلوها من الجنون، عاودته آلام الوخز من جديد، أصرت على أن تحضر لتضرب بيديها على موضع الألم، شعر بسعادة غير مسبوقة وهو يفكر في أيام عمره الباقية.