محمد الرياني
لم يصدقْ أنَّ هذه التي تخطو في الممر قد جاءت من جوار الوحشة ، الشيءُ الذي جعله يصدق بعد ذلك حين ألقت بعض تمتماتها عجلى تحثُّ من معها على المشي، هكذا سمعَ أو كأن السمع أوحى له بذلك، من كانت تستثقل الخطا معها لم تدع لها الفرصة لتسعجل، أذعنت للمشي المتثاقل ، لم يكن في يومه حين التقيا في الممر؛ فالصداعُ الذي بات معه على السرير سكن في رأسه حتى الصباح، قال لنفسه: لعل الغرفة الغريبة القابعة في المكان المنعزل هي من أحضر الصداع في الذي لايسكنه سوى قُمرية في مكان موحش، الشباكُ الزجاجي المطل على الأرض الخشنة لرؤية القمرية التي تنوح لم يسمح له بالتقاط الصوت كما ينبغي، الصداعُ الذي يعصف برأسه أراد أن يخرجه بضربه بالزجاج ولم يفعل فاكتفى بالنظر للقُمرية التي خذلته وهربت من فوق السور القديم، في الممر بقي الألم حتى التقاها تخطو باتزان وانسياب، شيء من الارتياح شعر به لدرجة الجلوس على أحد الكراسي في الممر ليحتفظ بالكلمة الضائعة في الممر ، وضع يديه على رأسه ليسحب مابقي من الصداع، عادت من جديد وبينها وبين الأخرى بضع خطوات، لم تقل لصاحبتها أسرعي هذه المرة، وقفت عند رأسه لتطمئن عليه وقد تدلى رأسه قريبًا من صدره ، أشار إلى رأسه الذي يعصف به الألم، لم يقل لها إن كلمتها مسحت بعض الألم كعقار جديد لم يخترعه العالم، جاءت بمن يخفف عنه الصداع، لم يمر وقت طويل حتى سكن الألم، تناول بعض قطع البسكويت والقهوة الموضوعة على طاولة في الغرفة البيضاء، أعاد رأسه إلى الجدار وهو يتلذذ بالبسكويت وبالمنظر الخيالي الذي لم يغادر مخيلته وكأنه سكن محل الصداع، الشباكُ في الغرفة الأنيقة التي انتقل إليها يطلُّ على حديقة فاتنة، ناحت على خضرتها قمرية رمادية تخضبت بحمرة، قال لنفسه أيعقلُ أن تلاحقني تلك القمرية من المكان المهجور الذي غادرته؟ سمع صوت طَرقٍ خفيفٍ على الباب، دخلت بخفة وسألت عن رأسه والصداع، وقف عند النافذة، قال لها : ما أشجى نواح هذه القمرية! هزت رأسها وهي تبتسم ، قالت له: دعك من استراق السمعِ في الطرقات حتى لايعذبك الصداع، التفتَ نحوها وكأنه يتألم ، تركته يتكئ على الجدار ، سمعها تقول لصاحبتها بأنه ينوح مع القماري، لايدرك معنى جناحيها.