محمد الرياني
في أولّ يومِ دوامٍ لها بدَّل معالم وجهه، أزال شعرلحيته الممتد بين شحمتي أذنيه من الناحيتين ليجعلها مربعة الشكل، أخفى الشعر الأبيض بصبغة سوداء، تطيَّب بعطرٍ من إحدى الماركات العالمية، ارتدى جزمةً بيضاء تتناسبُ مع لباسه، قال لها وهو يفتح باب مكتبه : لايدخل عليَّ أحد إلا بعد استشارتي، دخل وأغلق على نفسه الباب ثم نظر في مرآة هاتفه النقال ليرى صورته، دقَّ جرس المكبر كي تسمعه، طلب منها أن تأتي إليه ولم ينته بعدُ من النظر في المرآة، حرك منخاره بغرور وطلب منها أن تستبدل رائحتها بعطر يليق بالمكان، نظرت إلى الأرض بحياء وغادرت قبل أن ينتهي من كلامه، جلست على كرسيها ترتب الأوراق المعدة للدخول عليه، فتحت حقيبتها لعلها تجد رائحةً تليق بالجالس خلفها في مكتبه فلم تجد سوى بعض أدواتِ الزينة، خرج لبعض شأنه ولاتزال متسمرة على كرسيها لم تفح منها رائحة، أكدَّ عليها أنه يحب الروائح الزكية وأن يتباهى بها أمام المراجعين إذا حضروا إليه، الساعةُ تشير إلى الثانية بعد منتصف النهار، صاحت من المطبخ يا… يا فلان يافلان الغداءُ جاهز، هل متَّ أم ماذا؟ فلم يرد، دخلت عليه وهو يغطُّ في نوم عميق، وضعت يدها على أنفه لتوقظه وعليها رائحة البصل، عطس عطسة مدوية وقفز مذعورًا نحوها مَن مَن؟ هل غيرتِ رائحة العطر؟ قالت أي عطر؟ هذه رائحة البصل، قم فالغداء جاهز، نظر حوله فلم يرَ سوى غرفة نومه القديمة وباب المطبخ الذي تفوح منه رائحة الغداء، أراد أن يبدل ملابسه التي عليه فإذا هو ثوب النوم، قالت له : يبدو أنك حلمت حلمًا جميلًا، ضحك حتى كادت اللقمة أن تسد مجرى تنفسه، قال لها: أريد أن أعود إلى النوم من جديد، دخل غرفته الباردة ليكمل الحلم، حاول أن يغمض عينيه للنوم فلم يستطع، كانت رائحة البصل لاتزال على أنفه.