بقلم: د. سهيل بن حسن قاضي*
وضعت الدولة رؤية طموحة لمستقبل منظومة المسؤولية الاجتماعية للشركات، حيث حرصت الرؤية على ترسيخ ثقافة المسؤولية الاجتماعية في كافة قطاعات التنمية لتعزيز مساهمة الشركات في برامج المسؤولية الاجتماعية التي لها أثر على تنمية المجتمع والبيئة والاقتصاد.
وقد توقفتُ أمامَ العديد من تفاصيل الدراسة التي أصدرتها وزارة الموارد البشرية تحت عنوان: “استراتيجية المسؤولية الاجتماعية للشركات في المملكة العربية السعودية”.
ولفت نظري بدايةً ما جاء في الكلمة الافتتاحية لمعالي الوزير المهندس أحمد الراجحي الذي أكد أن العطاء قيمة متأصلة في الثقافة العربية والإسلامية وأن الشركات دأبت على إنفاق مبالغ لا يُستهان بها. ولعل معاليه قصد إنفاق الشركات على مصارف محددة وفق اجتهادات فردية تتعلق بالرؤساء أو المالكين وقناعاتهم وانتماءاتهم دون ارتباط ذلك الإنفاق باستراتيجيات الشركات، حيث الملاحظ نضوب الإنفاق في جوانب المسؤولية الاجتماعية في معظم الشركات، وندرة التنظيم في هذا الجانب، خاصة الإنفاق المرتبط بمجالات لها علاقة بطبيعة عمل أو منتجات الشركات وفق استراتيجية محددة، كما أن الإنفاق المتعلق بالاستدامة في مجالاتها الثلاث (الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) يكاد يغيب أيضاً عن كثير من شركاتنا، التي لم يوظِّف معظمها إمكاناته لخدمة مفهوم المسؤولية الاجتماعية الذي تبنته الوزارة وهو “التزامها الطوعي بالعمل على خلق أثر مستدام لتنمية المجتمع والاقتصاد والبيئة، وأن يكون ذلك ضمن استراتيجيتها في كافة علاقاتها وأنشطتها الداخلية والخارجية”.
وفي معرض تناول الدراسة لواقع المسؤولية الاجتماعية للشركات، أكدت الدراسة أن الشركات السعودية تعتبر متأخرة في هذا المجال مما يحدُّ من جهود التنمية المستدامة، متوقفةً مع التحديات التي أبرزت هذا الواقع والتي كان منها: غياب المفهوم الموحد للمسؤولية الاجتماعية، وغياب الدور الاستراتيجي لها داخل الشركات، وغياب الوسطاء (الجهات التنفيذية المتخصصة كالقطاع غير الربحي) في تنفيذ المسؤولية الاجتماعية في الشركات الكبرى، وتباين جهود تعزيز الوعي بالمسؤولية الاجتماعية، ثم غياب المحفزات المالية التي تشجع الشركات على المساهمة في هذا الجانب (كالمحفزات الضريبية وتسهيل الأعمال وغيرها)، مع نقص المحفزات التقديرية وغياب الأنظمة التشريعية للمسؤولية الاجتماعية (كالإفصاح والمعايير)، ثم عدم وجود إطار واضح للحوكمة مما يُضعف التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بالإعداد المؤسسي للمسؤولية الاجتماعية. ولعل غياب المفهوم الموحد للمسؤولية الاجتماعية وغياب الحوافز والتسهيلات يعتبر -في تقديري- من أبرز تلك التحديات التي ينبغي أن تتصدر قوائم اهتمام الجهات المعنية، لمواجهتها وتذليل العقبات التي تحول دون اضطلاع كثير من منظماتنا بأدوارها الاجتماعية.
لقد جسَّدت هذه الدراسة المتخصصة مستوى عالياً من الشفافية تم من خلاله إلقاء الضوء على أهمية قراءة المعطيات الحالية لواقع المسؤولية الاجتماعية في بلادنا والتي تستدعي التوقف بالدراسة والتحليل أمام التحديات التي تحول دون تفعيل هذا المفهوم الذي يعتبر ركناً أصيلاً من أركان التنمية.
* رئيس مجلس إدارة جمعية البر بجدة