مقالات مجد الوطن

سنبوسة

 

محمد الرياني

تقابلنا على مقعدين صغيرين من الخشب ، وضعت ثلاثين حبةً من اللفائف المثلثة في قدْرٍ بيننا وعن يمينها صحنٌ واسع ، قربتْ حشوةً من اللحمِ المخلوطِ بالخضارِ في طبقٍ وفي الآخرِ وضعت حشوةَ الجبنِ الأصفر ، خيَّرتني فاخترتً الحشوةَ الصفراء ، قالت ما أشدَّ مكرِك ! لاتريدُ رائحةً في يدك ، لم أجبها وبدأتُ أحشو القطعَ المثلثة ، فارقُ العمرِ البسيطِ بيننا يجعلني أمهرَ منها في تعبئةِ جوفِ السنبوسة بسرعة ، أبصرتُ في عينيها آثارَ الدهشةِ وأنا مثلُ آلةٍ تكادُ تصل إلى النهاية ، لم تمدَّ يدها لتملأَ الحشوةَ الحمراءَ المخلوطةَ بالخضار واكتفت بمتابعتي ، صحتُ فيها وقد تعبتْ رجلي من ثنيها أثناءَ الجلوسِ وهي تخفي ضحكةً عميقةً على سرعتي وطريقتي في طيِّ السنبوسة ، تنهدتُ وقلتُ لها انتهيتُ ، قربتْ مني طبقَها وقالت بدلالِ: بقيَ هذا ، عندي أعمالٌ في المطبخ ، أمسكتُ بيدها وأجلستها إلى جواري على مقعدِها وقلتُ لها: هكذا اصنعي ، بدأتْ ببطء ،ثم أسرعتْ وأنا أشجعها ، أشفقتُ عليها وساعدتُها كي نسبقَ الغروبَ نحوَ الزيتِ الحار ، تنهدتْ مثلي وكلُّ فعلِها نصفُ تعبي ، حملتُ طبقًا وحملتْ آخر ، قالت ساعدني بالقلي ، أشعلتُ الموقدَ الآخر وانتشرتْ الحباتُ المثلثةُ كرسمٍ هندسي ، عدتُ إلى مقعدي أراقبها وهي تقلي السنبوسةَ في جهتين، امتلأَ القدرُ ،قلتُ لها : ثلاثون حبةً ماذا نصنعُ بها ونحن اثنان ّ، غربتِ الشمسُ وأنا أتلهفُ لمائدتِها ، عندَ آخرِ مجموعةٍ أرادت نزعَها من الزيت فتطايرت فقاعاتٌ صغيرةٌ نحوها ،صاحت حتى كاد قلبي أن يسقط ، اكتفتِ الحرارةُ بطَبعِ حُمرةٍ على جلد كفها ، أقسمتُ عليها ألا تأكلَ بيدها ، وضعتُ المقعدين متجاورين وأنا أطعمُها من قطعي المفضلة ، لم تكُ تعي الذي يدخلُ جوفَها ، عندما شبعت ،قالت يا غشاش : أنا لا أحبُّ اللحمَ ،كيف تطعمني حشوةَ اللحم ؟ قلتُ غدًا نتقابل على المقعدين وذكريني إذا نسيت ،ضربتني بيدها المجروحةِ فتألمت ، مسحتُ عليها وقامت تطعمني ، قالت : لأولِ مرةٍ أشعرُ بروعةِ اللحم بالخضار ، كانت تضعُ فمَها على راحةِ يدي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى