محمد الرياني
اتصلت أختُه تسألُ عنه وعن أخباره ، لم تتصل عليه مباشرة ، أراد أن يذكرَّها بطلِّ البيت وبرَّاد الشاي الأسود الذي تعاركا عليه للصبِّ في كؤوسِ الشايِ وغمسِ قطعِ البسكويتِ المستطيلةِ فيها ، جاءَها الردُّ مضحكًا ، لو تعلمين ماذا يفعلُ لَقدِمْتِ لمشاركتِه الاحتساء ، ضحكت حتى كادت ضحكتُها أن تخرجَ من جهازِ مكبَّرِ الصوتِ المفتوح ، قالت : ماذا يصنع؟ قالوا لها : إنه يضعُ حبةَ بسكويتٍ في فمِه الآن مبللةً بالشاي ، ويقول لك : تعالي كي تجددين الحربَ معه على أربعِ بسكويتاتٍ لاتزالً مغلفةً لم تُفتح ، ضحكت بصوتٍ أعلى وهي تقول لولا المسافةُ لأتيتُ هرولةً ثم أهجمُ عليه كما كنتُ أفعل ، التهمَ القطعةَ الأولى وَهَمَّ بأكلِ الثانية ، انفتحَ البابُ بعنفِ على نحوٍ مفاجئ ، دخلت مسرعةً بملابسِ السفر وانقضَّت عليه والحبةُ في فمِه كي تخرجَها قبلَ أن تدخلَ جوفه ، قال لها : هذه التي في السفر ولا تستطيعُ الحضور !! لم تسلِّم عليه سلامَ الغُربة ، جلست إلى جوارِه ثم صبَّت لها كأسًا من الشاي ووضعت عندها قطعتينِ من البسكويت ، بلَّلت واحدةً في الكأسِ وأدخلتها في فمِه وهو يسألها عن الغربة والسفر وهل ذاقت بسكويتًا بالشاي في السفر ؟ قالت إن الغربةَ تفتقرُ إلى الظلِّ والكؤوسِ القديمةِ والشاي الأحمرَ القاتم ، وتفتقدُ خدَّك الأحمرَ الذي كنتُ أزينه بآثارِ أصابعي ، برَدَ الشايُ وهي تَصِفُ له الغربةَ والبكاءَ والدموعَ وذكرى الصراعِ على قِطعَ صفراء كلونِ البراءة ، غمسَ حبةً في كأسه حتى ذابت في قعرِ الكأسِ وفعلت مثله ، نظرت إلى شايِ البسكويت الممزوجِ فأفرغتِ الكأسين في طبقٍ واحد ثم أحضرت ملعقتين صغيرتين وتجاذبا مرارة الذكريات بينما رؤوس الملاعق في المخلوط ، سألها : هل في الغربةِ طلٌّ ؟ لم تجبه عن سؤاله وأخذته إلى الفيءِ القديم ، لم تجد الظلالَ التي كانت تصطفُّ تحتها كؤوسُ العراك .