محمد الرياني
ليلةُ صيفٍ رائعةٌ تلك الليلةُ التي تلقيتُ فيها هديةً لاتنسى من الصديقِ الإداري والمهندس الكبير محمد يحيى عجيبي مدير كهرباء منطقة جازان سابقا ،هذه الهدية هي نسخة من إصداره السردي المميز عن سيرته ومسيرته الشخصية ” مذكراتُ بائعِ الفل” والفلُّ الذي ارتبط تاريخيًّا عندنا بفصلِ الصيف تزامنًا مع الأفراح والأعراس هو الذي أضاء هذه الذكريات عبر عنوانٍ مثيرٍ وأنيقٍ يحملُ الكثير من الدلالات لأبناء منطقة جازان ، ومن جمال هذا الكتابِ وروعةِ تفاصيله وعنوانه فإنني تركتُ كلَّ شيءٍ لأقرأه كاملًا في ليلةِ صيفٍ كما تفعل ردائمُ الفل حين تتفتح أزهار فلِّها وترتقي على أعناق المحبين ، ولاشك أن السيرة الشخصية للمهندس محمد يحيى عجيبي الأكاديمي السابق والمدير الشهير الذي ارتبط اسمه بكهرباء منطقة جازان وإنجازاتها سيرةٌ يجب أن تدرَّس للأجيال الصاعدين ،ففيها العصاميةُ حيث درس الكهرباء في زمن كنا نبحث فيه عن الفوانيس ونستضيء بنورها المشتعل على رأسِ ذبالةٍ تقبعُ وسط زجاجةٍ صغيرةٍ وتشربُ من حوضٍ حديدي من القاز بعضَ الليل وليس كله ، والمهندس العجيبي وثَّقَ محطاتٍ مهمة من حياته التعليمية والشخصية بالصورة البيضاء والسوداء قبل الملونة لتكون شاهدًا على مسيرةِ واحدٍ من ألمعِ القياداتِ على مستوى الوطن وليس المنطقة ، كما أنه رصدَ مسيرتَه بكل دقة مستغلًا الأحداث المهمة التي تزامنت مع مسيرته وسجلها بكل ذكاء واقتدار ، لقد تعلمتُ من هذه السيرة أهميةَ التأريخ والتوثيقِ لتقييم النفس وتوجيهها ، وكنتُ قديمًا أقول في بعض محاضراتي وندواتي لطلابي وغيرهم بأن يكتبوا تاريخهم بشكل يومي لأنه أدعى للارتقاء بالنفس وجعلها تحقق طموحاتها ، إن قصةَ بائعِ الفلِّ الذي أصبح رمزًا من رموزِ الإدارةِ والكهرباءِ والنبوغِ يذكرنا بردائم الفل التي هي جزء من ثقافتنا وسعادتنا وأفراحنا وليالينا القمرية وفاصل من الروايات التي تتناقلها الأجيال ، المهندسُ محمد يحيى عجيبي هو حالةٌ خاصة ليس لأنه باع الفلَّ صغيرًا وجعله عنوانًا وأريجًا لمذكراته ،بل هو عنوان الذكاء والنجابة والتفوق والإدارة والتفكر في الحياة بعمق وصدق ، أشكرك يابائع الفل وياعرَّاب الهندسة ، سيظل أريجك يتضوع في كل مكان وفي كل المواسم .