محمد الرياني
خَرجَ يَنشُدُ جَدَّةَ المطر ، جَسَدُه عارٍ باستثناءِ سروالٍ إلى منتصفِ ساقِه ، أرادَ أن يَغسلَ بياضَ بشرتِه المشوبةِ بِحُمْرةٍ بِبياضِ المطر ، وأن يَستوفيَ من حَرِّ الأمسِ ببَرْدِ اليوم ، قالت له : استُر نصفَك الأعلى قبلَ أن يُهاجمَكَ النَّملُ الأسودُ الطيَّارُ الذي سَيَخرجُ مِثلكَ مُنتشيًا من المطر ،لم يُلقِ بالًا لِنصائحها ، انصبَّ كلُّ تفكيرِه على العثورِ على جَدَّةِ المطرِ الحمراءِ التي تَخرجُ مثله ، قالت له : النملُ الأسودُ لايعتدي على الحَمراءِ الصغيرةِ التي تدُبُّ على الأرض ، قد يُغريها لونُكَ الفاقع ، من حُسنِ حِظِّه أنَّ المطرَ الذي انهمرَ بغزارةٍ توقَّفَ بعد أن اغتسلتِ الأرض ، طَابَ لِقدمِه الصغيرةِ أن تَتَنقَّلَ بخفَّةٍ في الوحل ، حضرتِ الحمراءُ التي يريدُ أن يكسوَها وكأنَّها كانت تنتظرُ تحتَ الوحلِ حتى يحين موعد قدومه ، لم يحضر وحدَه بهذه الكسوة ، جاءت من بيتِ الجيرانِ صَبِيَّةٌ صغيرةٌ لتنافسَه على الإهداء ، استلَّت من طرفِ ثوبِها الأخضرِ خيطًا بلونِ العشبِ قبل أن يسحبَ من طَرفِ سروالِه خيطًا ثم أمسكت بِجَدَّةِ المطرِ وهربت تعلنُ الفرح ، بينما هو في ذهولٍ من هذه الشقيَّةِ التي اصطادت الحشرةَ الحمراءَ قبلَه واتجهت في سرور ، انتظرَ ليكسوَ غيرَها فوقَ تلٍّ رمليٍّ قد أغرقَه المطر ، بقيَ يدفِنُ قدميه في الأرض الباردة ، شَعرَ بوخزاتٍ في كتفِه اليمنى فامتدت يدُه القريبةُ لتفركَ مكانَ الألم ، شَعَرَ بشيءٍ يتمسكُ بإصبعه ثم انتقلَ الألمُ إليها ، طارت نملةٌ بجناحٍ أشبهَ بوسيلةِ الحربِ الصغيرة ، ندِمَ لأنه لم يستمع لكلام أمِّه ، أقبلَ من الجَوِّ جيشٌ من النملِ الأسودِ الطائرِ نحوَه وكأنَّ الهاربَ من جَسدِه بعد أن أخذَ نصيبَه قد أعطى إشارةً بموقعه ، عادَ المطرُ من جديدٍ لينقذَه من الهجوم ، ظهرت علامةٌ على كتفه ، سألته أمُّه عن كسوةِ جَدَّةِ المطر ؛ سرعان ما رأت موضعَ قَرصةَ النمل ، اتهمَّ ابنةَ الجيرانِ بأنها سلبت منه الحَشَرةَ الحمراءَ وكستها قبله ، وضعت له دهانًا ليبردَ مكانَ الألمِ ثم رمت على كتفِه لباسًا يقيه من البرد ، انتظرَ حتى تُفرغ السحبُ ما في بطونِها وتختفي ، ذهب يبحثُ عن جَدَّةِ المطرِ من جديد ، غربت الشمسُ فأيقنَ أنَّ الحمرَاء تنام مثله بعد أن تستمتعَ بالمطر ، أشرقتِ الشمسُ في الصباحِ فَجَمعَ خُيوطًا ملونةً واتجهَ قبلَ جارتِه الصغيرةِ ليزرعَ الفرحَ على أجسادِ الجَدَّاتِ الحُمرِ القادماتِ من الوحل.