محمد الرياني
وجدَه يحملُ همومَ الدنيا على ظهره، انحنى عابسَ الوجه، تقاطيعُ وجهِه تدل على ذلك ، أرادَ أن يتحدَّثَ إليه عن همومِه وأوجاعِه فألجَمَه، قال له: عندي لك مايُفرِّجُ همومَك، انفرجتْ أساريرُه بعضَ الشيء، أمسكَ بيدِه وقادَه إلى حُفرةٍ تمتلئُ بالنملِ الأسود، جلسَ على الأرضِ وأجلسَه إلى جانبه، وضعَ في يده قارورةً فارغة، استغربَ من هذا الحل ، خرجتْ أولُ نملةٍ فمشتْ إليه ولسعتْه، نظرَ إليه وشجَّعَه، قال له : ضعِ النملةَ في الزجاجة ولاتخشَ اللدغ ، أطاعَه ووضعها وهي تحاولُ الهرب، خرجَ أفرادُ قريةِ النملِ بحثًا عنها ليتبعوها ، قال له: اجمع كلَّ أفرادِ النملِ مع النملةِ الأولى ، استغرقَ وقتًا وهو يضعُ واحدةً واحدة ، بعضُها يدخلُ بسلام ، وبعضُ المُشاكِساتِ السودُ يلدغنَه، أعجبتْه الفكرةُ وهو يتسلَّى بجمعِ النمل، قال له: هل أعجبتْكَ الفكرةُ حقَّا ؟ حكَّ رأسَه وهو غيرُ مصدِّقٍ أنَّ جَمْعَ النملِ الأسودِ سيفعلُ معه ماعجزَ عنه الآخرون، امتلأتِ الزجاجةُ حتى اسودَّت ، أرادَ أن يغادرَ حفرةَ النملِ ويتركَ الصيدَ الذي صادَه، طلب منه بأن يحملَه معه فقد يحتاجُ إلى الوَصفةِ مَرَّةً أخرى، وَصلَ إليها وهو في قمَّةِ الفرح، استغربتْ وهو الذي هشَّمَ الزجاجَ على الأرضِ بفعلِ فورةِ أعصابه، اتهمها بأنها هي التي أشعلتْ فيه نارَ الغضب، اشتاطتْ غضبًا واتجهتْ لأقربِ طبقٍ كي تحطِّمه، هدَّأ من غضبها وقامَ برمي القارورةِ أمامها وكلَّفها بأن تُحصيَ النملَ الذي يتعاركُ داخلَها، وسمتْه بالجنون، أصرَّ عليها بأن تفعلَ ولا تلتفتَ لما يفعلُه النمل، فتحتِ الغطاءَ العُلويَّ وأفرغتِ القارورة ، توزعَ النملُ في الحجرة، جلستْ تضحكُ على الفكرة المجنونة ، ضحكَ معها لأولِ مرةٍ بعد غياب ، سألها عن جَمْعِ الحشراتِ الصغيرة ، اقترحتْ عليه إذا غضبَ ثانيةً أن يجمعَ الثعابينَ الصغيرةَ في المرَّاتِ القادمة على أن يأتي بزجاجةٍ أوسع، جاء إليهما يخبرهما بأن النمل لايحل المشكلات.