مقالات مجد الوطن

عفاف

 

محمد الرياني

عندما خطبتْ له أمُّه عفافَ ابنةَ الجيرانِ قالتْ له وهو ينظفُ أنفَهُ بإصبعِهِ ويفركُ بها على الجدار: لاتفعلْ ذلكَ عندَ عفاف عندما تكونُ عندها، ارتبكَ وأدخلَ إصبعَه في أنفِه من جديدٍ فأخرجَ علَقةَ دمٍ ، لم يكتفِ بهذا بل قامَ بمسحِها على ثيابِه ، صاحتْ فيه ولطمتْ جبهتَها وهي تقول : يا (معتوه) أتريدُ أن تفضحَنا عند عفاف؟ وَعَدَها بأن يُنظِّفَ نفسَه أكثرَ لتراه ابنةُ الجيرانِ أوسمَ واحدٍ في الكون ، انتظمَ على غَسْلِ يديْه في كلِّ وقت ، وكلما شَعرَ بشيءٍ في أنفِه يقومُ بسحبِ المنديلِ من جيبِه ويُخرجُ فضَلاتِها ، بينما تكتفي أمُّه بالتخفِّي من ورائِه وملاحظةِ سكناتِه ، ترى أنه أحقُّ الناسِ بجميلةِ الحيِّ ، نبتَ حولَ وجنتيْه اللحمُ وعليه طبقةٌ حمراءُ كالورد ، تجمَّعَ الشَّعرُ بالتفافٍ حولَ رأسِه ووجهِه المستدير، مضى عامٌ فاجتمعا، رأتْه عفاف كوجهِ القمر، ورآها كالشمس ، لاحَظَها تُخفي في يدِها مناديلَ مِن ورق، لم يُشعرها بأنه فَطِنَ لما في يدِها، انتباتْه حالةٌ من عُطاسٍ بفعلِ عِطرِها النفَّاذ، اقتربتْ منه تريدُ أن تَحُولَ بينَ الرَّذاذِ الخارجِ من أنفِه ووجهِها، سحبتْ المنديلَ برقَّةٍ ووضعتْه على أنفِه ثم ضمَّتْه بلا خوف، وجَدَ أرقَّ مَخلوقٍ يحتضنُه ، مدتْ يدَها لتمسحَ بمنديلها دمعةَ فرَحِه، أخرجَ مناديلَه وأزالَ دموعَها ،تضوعتْ رائحتُه الزكيَّةُ كأنفاسِ الخزامى، وتألقتْ ريحُها كأوراقِ الرياحين، وقفتْ أمُّه لتسألَها عن ابنِها، سقطتِ المناديلُ معًا ، ردَّتْ عليها: مَيِّزي! أيُّ عطرٍ هو الأطيب؟! تناولتِ الأوراقَ المبللةَ ووضعتْها في جيبِ ثوبِها وتركتْهما .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى