محمد الرياني
تستقر في خارطة رأسي كما تتوسط هي البحر الغربي لتكون فاتنة العالم، تسكن ذاكرتي ولاتبرحها وكأنها من نسيج دماغي، في ليلة من لياليها الفاتنة وضعتُ رأسي على الوسادة فلم يدخل عليَّ النومُ مع نسيمها حتى أحلمَ على عرساتِها فبتُّ مع الليل أتأمل سحرها ، لا يزال في عيني اسمُها المكتوب على لوحاتِ سياراتها القديمة وأنا أراها في أزقتنا العتيقة ، وأتأمل نقشَ حروفِها على صناديقِ وارداتها القادمة من بحور العالم لتهبط في بحرها، من جدة أُهديتُ قلمَ الباركر لأكتب رسائلَ الأشواقِ إلى شقيقي وكأني أكتب لها ولبحرها وتاريخها ، صوتُ إذاعتِها لم يغادر رأسي منذ أن وعيتُ وميزتُ حروفَ الأبجدية، كتبتُ على دفاترِ جامعتها مواضيعَ التعبير والإملاء وواجباتِ المطالعة، سافرتُ إليها كثيرًا لأراها بعد زمن ، وجدتُ عمران العالمِ بها، ألفيتُها الحسناءَ التي تقفُ على الشاطئ بفستانِ روعتها، جدةُ هي قصيدةُ الشعرِ التي لاتنضبُ قوافيها، وهي الملحمةُ التي لا تنتهي فصولها، وهي السردُ والحكاياتُ الأصيلةُ التي يرويها الأجيالُ جيلًا بعد جيل ، زرتُها مراتٍ ومراتٍ بهدوء ، لكن دعوةَ رواقِ السردِ بناديها الأدبيِّ لي ولطاهر وحضية جاءت على طريقةِ الرائعين من أجلِ أن نسكبَ الحروفَ على تفاصيلها ولتسكنَ على نوافذها التاريخية وتتوازى مع مبانيها عرضًا وارتفاعًا، ليلةٌ فاتنةٌ في السردِ سبقها ترقُّبٌ وقلق؛ كيف يمكن أن تُرضي مدينةً مثل جدة وأي عبارة ستستفتح بها لتكونَ رشَّةَ زجاجةِ العطرِ التي تخلِّدك فيها؟ سرعان ماتبدَّدَ القلق، فاحَ عطرُها علينا قبل أن نفتحَ زجاجَنا، واختلط العبيرُ؛ عبيرُ المدينةِ وبوحنا؛ فكانت ليلةَ حبٍّ أبطالها رواقُ السردِ والبوحِ الصادق ، وإذا كانت المدائنُ تمنحُ الآخرين صفحاتِ أرضها لتسطيرِ المشاعرِ واستمطارِ الخيال؛ فإن جدةَ تمنح الأقلامَ والدفاترَ والخيالَ والنسائمَ والتاريخَ لتحركَ كلَّ أشكالِ الحبِّ وتجمعَ عصافيرَ الفصول ، انتهت ليلةُ رواقِ السردِ ولايزالُ العطرُ يتضوعُ في المكان، مضى الحوارُ الجميلُ مع الجميلِ لغةً وحضورًا سلطان العيسى وأنا ألوِّحُ بحرارةِ اللقاءِ وروعةِ الاستضافة، تواعدنا أن نلتقي حضورًا في مساءاتٍ قادمة، وما أجملَ المساءات على أرضِ فاتنةٍ ينبتُ على أرضها التاريخُ والسردُ والأدبُ ونسائمُ تعشقُ رواشينها وشبابيكها حدَّ الهيام.