مقالات مجد الوطن

 السقف

 

محمد الرياني

أصابني المللُ من لونِ الغرفة، أرى اللونَ نفسَه كلَّ يومٍ وكلَّ ليلة ، يتغيرُ عندما تظلمُ بسببِ انطفاءِ الأنوارِ وماعدا ذلك فهي الغرفةُ نفسُها، وقد تأتيني عند الاستغراقِ الأحلامُ متشابهةً أو متقاربة ، وكأن شيئًا يريدُ تحقيقَ رغبتي في كسرِ الجمودِ وأن أنامَ في مكانٍ آخر، انطفأتِ الأنوارُ وأوحشَ المكانُ بسوادٍ مخيف، خرجتُ إلى الفناء، وجدتُ سريرًا قديمًا وعليه وسادةٌ مهترئة، قلتُ في نفسي طابَ السمرُ وسيأتي بعده النومُ من كلِّ مكان، اللحافُ الذي أخذتُه معي يكفي لواحدٍ نحيلٍ مثلي، لا أتذكرُ آخرَ مرةٍ نمتُ ومن فوقي سقفُ الكون، شعرتُ بحركةٍ خفيفةٍ تقتربُ مني، صعدتْ إلى السرير، قالتْ معكَ… معكَ أينما ذهبتَ ، قلتُ… قالتْ نعم أنا… قلتُ ياصغيرتي السقفُ البعيدُ أكبرُ مني ومنكِ ومن كلِّ الكون، أرادتْ أن تدخلَ معي تحت اللحاف، كان رأسي ظاهرًا بينما عيناي تكادان تلحقان بالنجومِ وهي تراقبها ، قلتُ للصغيرةِ: اللحافُ لايكفينا نحن الاثنين، قالت سأنام على صدركَ لنكونَ شيئًا واحدًا، غلبتني فغطيتُ جسدَها الصغيرَ وبقيَ نصفُ جسدي مكشوفًا، نظرتْ إلى السماءِ وهي مظلمة، سألتْني عن هذا اللون الأسود، قلتُ لها هذا السقفُ البعيدُ مثلُ اللحافِ ولكنه أوسعُ ليغطي كلَّ الناسِ الذين خرجوا مثلي ومثلكِ ينظرون إلى السماء، ثم أشارتْ إلى نجمٍ بارزٍ يتلألأ وسألتني، قلتُ لها هذا نجمٌ وبجواره نجومٌ والسماءُ تمتلئ بالنجوم، وفي النهار تملأ الشمسُ السماء، عاتبتني لأنها لم تخرجْ إلى الفِناءِ من قبل لترى حقيقةَ الليل، طالبتْني بأن تكررَ الخروجَ ولاتزالُ عيناها تنظرُ مع عيني إلى السماء، و الظلمةُ يخترقُها بينَ وقتٍ وآخرَ مواءُ بعضِ القططِ الجائعةِ ونباحُ الكلابِ في الضاحيةِ تنبحُ على نسنساتِ العابرين، أو على الأصواتِ المجهولة، قلتُ لها ألا تنامين، قالتْ لي ألا تنام، أغمضتُ عيني مازحًا، قالت هل أحكي لك حكاية قبل النوم؟ سبقتُها وقلتُ لها : كان ياما كان، هناك رجلٌ وابنتُه الصغيرةُ يسهران في الليل ويعدَّان النجومَ ويستمتعان بالليل، انفجرتْ ضاحكةً قالت هذا أنا وأنتَ وأكملتِ القصة، دخلتْ في نومٍ عميقٍ ولم تكملِ الحكاية، دخلنا في النصفِ الثاني من الليل، شعرتُ بالبردِ ونصفُ جسدي مكشوفٌ وهي تستمتعُ بالدفء، نهضتُ وحملتُها مع الفراشِ وقد تحركتْ وحركتْ رأسَها تريدُ البقاء، صعدتُ بها إلى غرفتِها الصغيرةِ نائمةً واللحافُ من عليها، ذهبتُ إلى سريري أنتظرُ الصباح، أشرقتِ الشمسُ من غرفتِها وأنا أتأملها، أحسَّتْ بوجودي فأزالتِ الغطاءَ من على وجهها وأخذتْ تنظرُ إليَّ وتشمُّ رائحتي في اللحاف، طلبتْ مني أن تذهبَ إلى الفناءِ لترى الشمس ، أمسكتُ بيدِها وقد جرَِّتِ معها اللحافَ باليدِ الأخرى، قلتُ لها لاداعي له ياصغيرتي، نكملُ على السريرِ ولن يكونَ لك غطاء، ولن يبقى نصفُ جسدي مكشوفًا، الشمسُ ستمنحنا الدفء، عندما تجاورْنا على السريرِ سألتْني عن النجومِ التي حضرتْ في الظلام، قبَّلتُها على جبهتِها الصغيرةِ ثم وضعتُ كفِّي فوق عينيها كي لاترى شيئًا، قلتُ لها : أنتِ كلُّ النجوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى