محمد الرباني
أنتِ أجملُ نساءِ الكونِ في نظري، أنا لا أمدحُك لأني أحبُّك؛ بل لأنكِ كذلك ، أنا لايرضيني أن تمسّي زجاجًا تمسسه أيدٍ كثيرة، هذه يدٌ طاهرةٌ وعفيفة، وهذه يدٌ نجسةٌ لم تغسلْ يدها، ومعهما يدُ مجرمٍ لايتورعُ عن قذفكِ بالشظايا ليشوهَ زينتَكِ البكر، نظرتْ في وجهِه وهي تحملُ الكأسَ نحوه ، نهرها وطلبَ منها أن تضعَه على الطاولة، قال لها : أنا سأحمله بدلًا عنكِ، قد تكونُ يدي مثل أيدي البقيةِ أو بها شيءٌ من براثنَ جئتُ بها من الخارج، حملَ الكأسَ نحوَ الطاولةِ وهي تنظرُ في غريبِ الأطوارِ الذي جاءَ صباحًا ليبدلَ المفاهيم ، لحقتْ به ومعها بعضُ أكياسِ السكرِ الورقيةِ معتذرةً بأن كميةَ السكرِ في الكوبِ ربما لاتكفي، حركَ رأسَه بأن لا بأس، قال لها :ضعيها ثم اتركيني لأخلوَ برشفاتٍ دافئةٍ تزيلُ حشرجاتِ صدري الذي اختنقتْ أنفاسُه وقتَ النوم، عادتْ إلى مكانها، تأملَ هذه الحسناءَ التي تسقي الذين سهروا الليلَ وجاءوا أولَ النهارِ من أجلِ تمديدِ فترةِ السهرِ ثم يعودون ليروا في نومِ النهارِ أحلامَ المقهى؛ باستثنائه – هو – الذي سكبَ كلَّ النومِ في أحضانِ الليلِ ثم دعتْه الشمسُ ليصحوَ معها نحو المقهى، احتسى كل ما في الكأسِ بينما عيناها تنظرُ إليه ما هو فاعلٌ بعد فراغه، حملَ الكوبَ وكفاها عناء أخذِه من عنده وذهبَ به بعد أن نظفَ المكانَ من ذراتِ السكرِ التي تناثرتْ وهو يفرغُها في الكأس، وضعَه على الطاولةِ وغادرَ في صمت، عاد في المساءِ من أجلِ كأسٍ آخر، وجدَ البابَ موصدًا ، انصدمَ عندما وقفَ عندَ البابِ الغربيِّ الذي يحاكي الشمس، ظنَّ أن الاتجاهاتِ تبدلتْ مواقعُها في نظره، وأن الشمالَ جنوبًا والشرقَ غربًا، اتجهَ إلى مدخلٍ آخر، بدا المكانُ خاليًا فاستدارَ كالمجنون، يسألُ نفسَه: أين ذهبتْ ملكةُ جمالِ الكون؟ ضربَ على فخذِه بشدةٍ حدَّ الألم، فتحَ عينيْه وبجوارِه شايُ الصباحِ وبعضُ قطعِ الخبزِ والأجبانِ الناشفةِ وصوتٌ حادٌ يوقظُه من أحلامِه، اختفتِ العينان الساحرتان والوجنتان الحمراوان ومشيةُ القطا، أفطرَ على مضضٍ ورائحةُ النومِ لاتزالُ على فمِه .