محمد الرياني
سافرا ولم يكن معهما أحدٌ غير حقائبهما الثلاث، كانت أمنيتها أن تسافر كما تفعل صديقاتها اللاتي كن يروين لها تفاصيل السفر في جلساتهن الخاصة والحياة الرائعة في الأماكن المدهشة، ما إن صعدا الطائرة حتى بدأت توثق رحلة الحلم بينما كان تفكيره منصبًّا في الخسائر التي سيتكبدها جراء رحلة ليرى الجبال والماء والوجوه الملونة ، رحلة طويلة وشاقة وآلام ظهره لاتتذكره إلا مع الجلوس الطويل فيجد صعوبة في الحركة بعد الجلوس، اشترطت أن يكون السكن مطلًا على بحر وجبل لترى بلاد العجائب بكل وضوح، بعد جهد جهيد وجد طلبها المناسب وهو يتوق إلى سرير يريح ظهره أو يخفف من متاعبه، لم يدخل في جدل من أجل السعر جراء الإرهاق ، ارتقيا إلى الطابق السابع لترى بوضوح كل شيء أسفل منها ، لم يستمر كثيرًا فنام باستغراق ولايهمه أن يرى أحلام الديار أم أوهام الغربة، وقفت عند رأسه تتمتم وهو يسمعها كالخيال وهي تقول : نحن جئنا لننام أم… ولم يسمع شيئًا بعد ذلك، ويبدو أن شخير التعب وصل للجبل الصغير الأزرق المجاور ، جاء يوم جديد وهو يصارحها بأنه استمتع بالرحلة والتجديد؛ فالنوم تحت اللحاف الدافئ في الأماكن الباردة يجلب الدفء أيضًا وتسري الحرارة في الجسد كتيار كهربائي إضافي، قالت له وهي بجواره ملاصقة له في القارب الصغير: أرأيت كيف أن الرحلة ممتعة وقد بدا السرور على وجهه ، الأسواق القريبة من الفندق كانت من أهدافها وبطاقة السحب عنده لاتفي بكل متطلباتها واندفاعها ، مضى نصف الوقت الذي اتفقا عليه للرحلة، بقيت ثلاثة أيام ونصف من أسبوعٍ مرَّ جميلًا على الرغم من الكدر الذي يتنازعه بين فترة وأخرى، احتاجا لحقائب أخرى لوضع هدايا المجاملات الخفيفة والغالية منها لصديقاتها وقريباتها، ازداد عدد الحقائب إلى خمس ، حان موعد العودة إلى الديار ، في الطائرة ظلت تعدد بأصابع يدها أسماء اللاتي ستوزع عليهن الهدايا وهو في صمت يترقب لحظة الوصول، نزلا المطار وارتاحا في صالة القدوم، ذهبا إلى السَّيْر الذي تدور معه الحقائب بشكلٍ بيضاوي لاستلام الأمتعة، استلم المسافرون حقائبهم وهما لايزالان ينتظران بقلق ، اكتشفا بعد التأخر أن حقائبهما لم تصل مع الطائرة ، ظلت تولول في المطار وهو يحاول إسكاتها وهو يحمد الله على أنها ملابس وهدايا ولاشيء سواها، وضع يده على جيبه العلوي وسحبه نحو فمه يقبله لأن وثيقتي السفر فيه ومعهما بطاقة الصرف الآلي، عادا إلى البيت بلا حقائب، دخلت غرفتها لتنام من التعب ، وفتح هو نافذة غرفة أخرى ليستروح رائحة الريحان الملاصق للجدار وقد بدأ يذبل في الغياب.