بقلم الأديب الأستاذ
طارق يسن
قرأت – صدفةً – نصا بديعا للأستاذة القديرة بدور بن سعيد ، وأنا يستهويني النص الجميل ، ويستوقفني المعنى العميق ، إنه نص يقف في أعلى درجة من درجات سلم النثر الفني، ويجاور أول درجة من درجات الشعر ، نص رائع مكتنز بكل جمال .
النص دائري في أحداثه وتسلسله ؛ إذ عادت الكاتبة إلى نقطة البدء؛ إذ بدأت وهي في مفترقي حيرتها ، وانتهت عند مفترقي حيرتها ، حتى في العبارات فقد بدأ النص بالخطى الثقيلة ،وانتهى بالخطى الوئيدة.
أحكمت الكاتبة نسج نصها ، وأجادت سبك فكرتها ، ولم يوجد في النص أية ثغرات ، وليس فيه أي خلل ،ولا فجوات ، فهو نص محكم رصين، فكل كلمة تؤدي دورها في مكانها ، وتُسلمُك للتي تليها ،وكل تركيب يحقق مقصوده ،ويوصلك لما بعده.
تدهشك الكاتبة باستخدام “غير المألوف” من العبارات ، فالجميع يقول أقف في مفترق طرق ، ولكنه عند بدور ليس مفترق طرق ، وإنما مفترق حيرة، فكأن كل الطرق تؤدي إلى حيرة .
كذلك تغيِّر الكاتبة – بحكمة بالغة – طبيعة الأشياء ، فالقطب الشمالي لم يعد متجمدا ، والساعة لم تعد بها أرقامها التي تشير للوقت.
الوردة هي بطلة النص ، فهي الهدية القيمة في فصل الشتاء وهي التي زرعتها الكاتبة في مفترق حيرتها ، وهي التي يزرعها الزارعون ثم يخسرون، وهي التي انبلجت أساريرها ، وهي التي تُركت على الطاولة تثمينا لدور الطاولة في تقبل ما دار عليها من عبث .
لغة النص لغة شعرية رقيقة موحية ، تضاهي أبلغ القصائد لغة ،
من حيث المفردات الرقيقة والتراكيب الجزلة.
أما الصور البلاغية في النص فلا تحصى ، وحسبي منها :
الاستعارات مثل :
نسج رداء الأمل
أفيض بماء الصبر
جمر الأرق
تضحك شموس الضحى
وكذلك التشخيص ؛ حيث جعلت الطاولة كأنها إنسان يعاني ما يعانيه الإنسان حين قالت : ” عرفانا للطاولة التي تحملت عبثهم في الليلة السابقة” وهذا قمة الاتحاد بين الإنسان والمحيطات به من جمادات.
ويبرز التجريد، حيث جردت من نفسها شخصية أخرى وقالت إنها سئمت توبيخها ، فمنحتها وردة.
يوجد كذلك الطباق الجميل والتضاد الرائع بصورته كطباق إيجاب بين “الشروق والغروب” ، أو كطباق سلب في “لينطفئ ولا ينطفئ ” ؛ مما أعطى المعاني وضوحا.
ويظل النص يحمل القارئ لمشاركة الكاتبة حيرتها ، وهي في مفترق حيرتيها بين العودة لارتداء ثوب الأمل ، والبقاء حيث هي دون قدرة على التحرك؛ وذلك لثقل الخطى.
والحيرة السائدة في النص منطقية وطبيعية ؛ لأن عنوان النص وهو تجاويف حلم ، فالتجاويف متشعبة ومتعددة المسارات ، ومختلفة الطرق ولا تدري أي الطرق يمضي بك للمخرج الآمن.
ـــــــــــــــــ
طارق يسن الطاهر