محمد الرياني
بَقَوْا يخافون كثيرًا من الاقترابِ من الأشجارِ خاصةً تلك التي المتشابكةِ أو التي تشبهُ أشجارَ الأحراشِ والغابات ، أو التي تجلبُ الزواحف؛ لاسيما السامة منها، لا يزالون يتذكرون صراخَ جارتِهم وهي تحملُ ابنتَها التي لدغَها ثعبانٌ أسودُ بجوارِ كاذيتها التي تمنّي نفسَها لتقطفَ منها عذقًا أبيضَ في يومِ فرح، باستثناءِ الصغيرِ الذي لم يدعْ لهم فرصةً لبثِّ الخوفِ في نفسه، أحضرَ بنفسه فسيلةً من كاذيةِ جارتِهم وحفرَ لها حفرةً وأحاطَها بحوضٍ وتعهدَها بالماء، كبرتْ الكاذيةُ وكبرتْ وتشابكتْ أوراقُها الشوكية، وكلما اجتمعوا ظلُّوا يضحكون عليه ويصرفون كلماتِ الاستهزاءِ بشجرتِه العطريةِ التي جلبتْ ثعبانًا لدغَ ابنةَ الجيران، يتركهم ويذهبُ ليسقيَها ويُعيدُ ترابَ الحوضِ الذي جرفَه الماء ، وجدَ السماءَ تمتلئ بالسحب، هطلَ المطرُ بغزارةٍ فعاد ليخبرهم ، شربتِ الكاذيةُ حتى شبعت ، حضرتْ البروقُ كما لم تحضر من قبل، دويُّ الرعدِ أحدثَ ضجيجًا في الفناء، انحبسُوا في الغرفةِ ليلةً كاملةً خوفًا من الصعقِ والهواءِ البارد، فتحَ الشباكَ ليطمئنَ عليها بعد المطر ، رأى كثيرًا من أوراقها وقد تساقطتْ على الأرضِ بفعلِ الرياح، انبعثتْ رائحةُ العذقِ الذي انحشرَ وسطَ الأوراقِ ، انسحبَ من بينهم منطلقًا وهم يشمُّونَ الرائحةَ معه، كانوا أربعةً وأمُّهم الخائفةُ من الثعابينِ تجرُّ نفسَها جرًّا وراءهم وهي تحذرهم من ثعبانٍ يختبئ من البرد، لم يستمعوا إليها، يريدون أن يفرحوا بالعذقِ الأبيض، سبقَهم صاحبُ الكاذية، وجدَ خمسةً بدلًا عن واحد ، قطفَ الأولَ ورماه فتعاركوا عليه، قطف الثاني، الثالث، الرابع، أمسكَ بالخامسِ وكان الأكبر ، أقسمَ بأن يكونَ لأمِّه التي وصلتْ متأخرة، تسللَ ثعبانٌ على ضجيجِهم في الصباح، رأتْه ببصرها الضعيفِ ولم يرونه ، صاحتْ عليه وهو يحملُ العذق! انتبه.. انتبه فقفز من فوقه ، ضربوه على رأسِه وعلى جسدِه حتى لفظَ أنفاسَه وسمُّه يقطرُ من نابِه على الأوراقِ التي تناثرتْ من المطر ، أخرَجوا العذقَ من بطنِ الغلافِ الشوكي، احتفلوا بأمِّهم، حملوا العذوقَ وأقدامُهم تشربُ من ماءِ المطر.