مقالات مجد الوطن

بَلَل

 

محمد الرياني

تَبكي وتُخفي دموعَها على المخدَّة ، تَكتمُ صوتَها بين الغَرقِ والقُماشِ كي لاتبوحَ بسرِّها، يلفُّ الصمتُ المساحةَ حولَها، تنشج، تَئنُّ وتُناجي في السواد ، الأشياءُ التي حولها لاتصدرُ صدى؛ فكلُّها خِرقٌ باليةٌ أو ذاتُ لونٍ أسودَ وكأنَّها تتوشحُ الحزنِ مثلَها، تُغرِقُ عينُها جنبَها الأيمنَ فيبتلُّ المكان ، يحترقُ خدُّها الورديُّ في جُنحِ الظلام ، تنتقلُ بخدِّها الأيسر ، تُغمضُ عينيها كي ترتاحَ من الوجع ، تسيلُ عينُها اليسرى بلا بكاءٍ وكأنها تبكي بلا صوت، تتوسطُ الدموعَ على وسادةٍ حزينةٍ مثلها، تنظرُ إلى السقفِ لعلها ترى مبشراتٍ إذا ابتعدَ خدَّاها عن الوسادة، لم تزددْ إلا دموعًا، ذراتٌ من السَّقفِ القديمِ تسللتْ في عُمقِ الليل، احمرَّتِ عيناها، ندبتْ حظَّها الذي أسكنها على سريرٍ يهطلُ عليه الغبارُ مطرًا من ترابٍ ، فجأةً يَطرُقون عليها الباب، خرجتْ بعينين بلونِ الجَمر ، تسألُ عن أسبابِ الطرقِ في الظلام ، طلبوا منها بأن تضعَ على الوسادةِ لباسًا ورديَّا جديدًا، وأن تحملَها معها وقتَ الطلب ، نظرتْ إلى السقفِ الذي نَخرَ العمرُ جذوعَه وعادتْ لتجدِّدَ الأحزانَ غيرَ مكترثة بهم ، في الصباحِ فزعتْ على صوتٍ يكادُ يُوقعُ السقفَ عليها، أيقظوها قبل أن يقعَ عليها، صدَّقتْ أن هناك طارقًا جاءَ في الليلِ ليمسحَ أحزانَها، خرجتْ من غرفتها مسرعةً فوقعَ السقفُ على المخدَّةِ المبللة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى