محمد الرياني
كانت نافذةَ الغرفةِ مفتوحة، لا زلتُ أتذكرُ لونَها الأخضر، تركناها تحاكي الطبيعةَ الخضراءَ في ذلك الوقتِ الذي أنشأناها فيه، لم تكن العصافيرُ البريئةُ تفرِّقُ بينَ الأغصانِ الخضراءِ وسياجِ الحمايةِ للنافذة، تثيرني بفضولِها وتغريدها الحزين، النافذةُ وقتذاك جديدةٌ ويثيرُ طلاؤها الشجن، لم يعد لونُها بعد الشحوبِ يثيرُ العصافيرَ كما كان يفعل من قبل أن تتشظى الطبقات الخضراء ، تساقطتْ مع الأيامِ على الأرضِ فظهرتْ قوائمُ الحديدِ على حقيقتِها ومع هذا بقيتْ بعضُ العصافيرِ تعيشُ على أملِ أن تتجهَ إلى بعضِ الأشجارِ العتيقة القريبة ، يخرجُ من النافذةِ المفتوحةِ كلَّ شيء؛ أحاديثَ الحُبِّ التي نتداولها في بعضِ الصباحاتِ وحالاتِ العتابِ ، آخرُ مرةٍ رأيتُ فيها الشباكَ مفتوحًا كان بجواره طائرٌ هزيلٌ يحاولُ التغريدَ والنملُ حولَه يظنونه نافقًا، من حسنِ حظِّه أني قريب، حركتُ جناحَه الملتصقَ بجذعِه فتحرَّكَ وانتشى، يوجدُ بالقربِ منيِّ ماءٌ فقربتُه منه ليشربَ ويستعيدَ نشاطَه، تساقطَ النملُ على الأرضِ المجاورةِ مع حركةِ يدي، هزَّ جناحَه بفرح، يوشكُ فصلُ الخريفِِ أن يغادرَ ولايزالُ في خشبِ النافذةِ بعضُ حياة، نحن نحتفظُ بالطلاءِ الأخضرِ دومًا لنزينَ به سطوحَ الطاولاتِ الخشبية، عاد الوهجُ للنافذةِ والعصافيرِ معًا، أتت بعضُ السُّحبِِ ولايزالُ الشباكُ ينتظر، اخضرَّتِ الأشجارُ أكثر، تعلمتِ العصافيرُ الدرسَ جيدًا، لم تحتر في التمييزِ بينَ لونِ الطلاءِ ولونِ الشجر، أغلقنا الفتحةَ المزمنة، جاء مَن يرغبُ تغييرَ اللونِ الأخضرِ إلى أحمرَ حتى لاتتوه العصافير، أجمعْنا على جلبِ طلاءٍ أحمر مع تغيَّرِ الموسمِ وحضور الربيعِ ، اشتقنا لرؤيةِ الشباكِ مفتوحًا ليهربَ منها الخصام ، قالت لي ذات يوم : ما رأيكَ لو بقيَ الشباكُ مفتوحًا؛ اترك كلَّ شيءٍ وشأنه؛ العصفورَ الهزيلَ والنملَ والغناءَ في الصباح، ستتألقُ الأشياءُ دون أن نعبثَ بها، قلتُ لها صدقتِ، دعينا الآن نفتعلْ الخصامَ لنرى، كان على الشُّباكِ عصفورٌ هزيلٌ آخرَ فسقطَ صريعًا ، وقفنا عند النافذةِ نبكيه ونبكي حالنا.