محمد الرياني
الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، الوقت الذي استغرقه في النوم استهلكته بسبب النوم المبكر، كل شيء حولي نائم باستثناء مروحة السقف التي تعمل ببطء وكأن عليها بعض الجزاء أوالعقوبة، أجمل شيء تعمله هذه المروحة التعيسة أنها تحرك بعض أغطية الأسرة فتحركها وسط الصمت، تحول العمر إلى عمر طفولي يراقب الأشياء بعناية ويتأملها كما يتفحص الطفل لعبة جديدة يريد أن يعرف أسرارها، أطراف الأغشية ذات الشكل المُنقَّط تتحرك طربًا وكأنها تتفاعل مع أجنحة المروحة الثلاثة التي تتبادل العزف مثل أدوات الإيقاع، كل هذا وأنا في كامل قواي العقلية؛ فلم يعد للنوم نصيب بعدما أخذ من جمجمتي كفايته واستراح ، في الخارج تبدو كل الأمور هادئة حتى القطط التي كنت أستمع لأصواتها المتمردة لم يكن لها وجود، عرفت ذلك من الشباك الذي أستند بظهرٍ شبه مستو بجواره، ماالذي جرى؟ يبدو أن الجميع لم يفعل مثلي وتركني مع مروحة السقف كي تحرك فيَّ بعض الأسئلة؛ لماذا عدد أذرع المروحة ثلاثة؟ ولماذا اختاروا لها هذه السرعات المختلفة؟ والسؤال المهم هو أن هذه الآلة لمَ لاتحرك إلا الأشياء الرقيقة التي تشبه رقة قلبي، أوَ ليس قلبي رقيق؟ أسألُ نفسي هذا السؤال وأجيبه، من المؤكد أن قلبي رقيق وينبض مع حركة المروحة التي تتفاعل وسط الهدوء، بعد ساعة أغمضت عيني لأستعيد النوم الهارب إلى العيون الأخرى، وجدته يتجاوب ويتعاطف معي، يبدو أن لي ساعةً في ذمته، نمتُ بالفعل ساعة كاملة، في الثالثة والنصف، بدت بعض الأصوات تتحرك، مواء القطط التي استيقظت من الجوع، وهمسات غير مفهومة، مروحة السقف توقفت عن الحركة ، رأيت أغشية الفرش المنقطة بالدوائر السوداء بوضوح ، قلت ما أعظم نفَس هذا الذي وضع كل هذه الدوائر الصغيرة وكأنه يصحو كل ساعات اليوم، هززت رأسي أتفكر في صبر بعض الناس، قال لي تفكيري المجنون مارأيك أن تحصي عدد الدوائر الصغيرة المرسومة على أحد الفرش؟ استدركت وقلت ياللوجع! هل أنا صاحب نفَس لهذه الدرجة للعد؟ أنام أحسن وإن كنت لا أشعر به، أعرف أنني استعجلتُ في النوم، ما كان ينبغي أن أنام، انطفأ التيار الكهربائي فجأة وحل ظلام دامس لم أر فيه شيئًا من تفاصيل الغرفة، لم أعد أرى المروحة المعلقة في السقف، الدفء دفعني لأحرك النوم ليزيد الرصيد عندي على الذي أحتفظ به، كنت أحرك جفني عيني مثل المروحة وهي تراقص اللحف، بينما أنا غير مصدق أن النهار تطاول علي من النافذة، حيرة أصابتني، هل كل ذلك لأنني فكرت بجنون، أرجو أن أكون عاقلًا فأغلق عيني مثل غيري في الوقت المناسب، ولايهم كم مرة رقصتْ أغطيةُ الأسرَّةِ مع حركةِ المروحة؟
