محمد الرياني
يخاطب ليلى ، السراجُ قريبٌ من رأسه ، والليلُ من حوله حالكُ السواد : لابد من نهارٍ فصيحٍ بعدَ هذا الليل ، سيضيعُ هذا التعنتُ وتتفرقُ كبرياؤك وستلفحُها الشمسُ ، نسي المسكينُ رأسَه فاحترقَ بعضُ شعرِه، لم تقمْ حاسةُ شمِّه بواجبها، أو أنها فعلتْ ولم يستجبْ عقلُه للحدث، جاءَ الصباحُ ومن رأسِه تفوحُ رائحةُ الاحتراق، سألَه أولُ من لقيَه عن الرائحةِ وعن بعضِ الشعرِ الذي فقده، وضعَ يدَه على مقدمةِ رأسه، شمَّ الرائحةَ وإذا هو يتذكرُ السراجَ الذي باتَ يشتعلُ عنده فأحرقَ رأسه، قال في نفسه : هناك أشياءُ أخرى تحترق، عرَّضَ رأسَه للشمسِ أكثرَ يريدُ أن يُخفيَ الآثار، لايريدُ أسئلةً عن فعلِ الليلِ ، قَدمَ ليلٌ مختلفٌ أشدُّ سوادًا من سابقه، لم يُشعلِ السراجَ ليرى مَن حوله، اكتفى برؤيةِ نفسِه في مساءٍ عجيب، لم تحضرِ الحشراتُ الصغيرةُ التي كانت تلعبُ قُربَ الفانوسِ وتتعاركُ حولَ الضوء، باتَ يسمرُ وهو لايراها تتلذذُ بالدفء ، بقيَ يستعيدُ منظرَ الشعلةِ الصفراءِ داخلَ الزجاجةِ مثلَ عروسٍ حسناءَ ترتدي ثوبَ العرسِ ، اشتاقَ بسرعةٍ ليرى البقعةَ المضيئةَ حوله، أشعلَ السراجَ في منتصفِ الليل، تجمعتْ الحشراتُ جذلى ، تداركَ الموقفَ وجعلَ رأسَه بعيدًا عن السراجِ وقد أسرَه المشهد ، تجاهلَ صوتَ ليلى وهي تناجي الليلَ بأن يعتقَها من السراجِ الذي شغفَ قلبه، سمعَ بعضَ همساتِها الساخنة ، قرَّبَ رأسَه أكثر من الحرارةِ عُنوة ، استروحَ رائحةَ العادمِ المحترقِ َوهو ينبعثُ من ثقوبِ الفانوس، ناجى نفسه: ما أروعَ رائحةَ الاحتراق! بدأ رأسُه يحترق ، وصلتْ الرائحةُ فتحةَ أنفِه هذه المرة ، خاطبَ العجماواتِ بأن كفى استمتاعَا، أطفأَ الفانوسَ وتركَها تتعاركُ في الظلام، نامَ فتجمعتْ حولَه وكأنها تواسيه.