ليلة هي مثال للكرم الإلهي و الجود الرباني حيث يطلع الواحد الأحد على كافة خلقه فيعمم كرمه و غفرانه على أهل الدنيا ماعدا استثنائين، ليالي العام وأيامه كلها ميدان لطلب العفو والتذلل لمنح العفو، لكن الليالي المخصصة لها وهج تلهث لسنا شعاعه أنفاس المؤمنين، وتتوق لثوانيها مهج المتلهفين الخائفين، فتصير جوائز لهم يتلقفون الحصول عليها وهم مسرورون .
هذه الليلة من المخصوصات المكرمات، لم يرد فيها نص بفضل قيامها ولكن ورد نص صحيح بفضلها وتميزها حيث يغلف الكوكب ثوب رحمة الباري عفوا وغفرانا إلا لمشرك ومشاحن، وكم هو مهيب هذا الاستثناء ، فالمشرك والكافر فضلنا الله عليهما أن جعلنا مسلمين ، لكن بقي الاستثناء المقرن مع الشرك الذي ترجف له الأبدان، فلم يستثني المولى أي عاص ولا مقصر في شأن من العبادات أو غيره بل قال “المشاحن”، لطفك ربي، كم هو مهم في هذا الدين ومحوري أن تطهر قلبك يامسلم من غل وحقد وحسد، وكم يتقبل الله توبتك من كل ذنب ويغفره إلا من قطع رحمه أو أساء لخصومه وفسر العلماء المشاحن بأنه “يُحرم من مغفرة الله -عزّ وجلّ- فهو مَن كان في قلبه شحناء وبغضاء لأحد من المسلمين لأمرٍ غير الدين؛ فهو تقاطع وتباغض لأجل الدنيا ليس إلّا”.
فهل بعد هذا هناك من يستحق أن أبغضه أو أحسده والثمن هو حرماني من هذا العرض الكريم ؟!
هل تستحق الدنيا و مافيها من المواقف والخبرات والرضا والغضب أن أخرج من هذه الليلة مطرودة من عفو الله !!
عمروا هذه الليلة استغفارا وذكرا ودعاء وتذللا لله وقبل كل ذلك أغسلوا القلوب من البغض و الكره والحقد والحسد فأمراض القلب أسوأ من سقطات البدن ، اتصل الآن بمن قاطعت وتسامح، استغفر الآن لمن خاصمت وافتح قلبك بوابة ينفذ منها نور التسامح وشمس الخير ، املأ قلبك حبا لله طهرا من كل بغض لتنال فضل هذه الليلة ، ما أجمل هذا المعنى الذي ينظف المكنون لا الظاهر ، فاطلاع الله القادر على قاع قلبك قبل ظاهر عملك .
رب ارزقنا فضل هذا الكرم الليلة أجمعين.
د.فاطمة عاشور