محمد الرياني
تلك التي أحبها لم تشم ريح عطره بعد، كل الذي انداح من أحضانه هو رائحة الزجاجة التي احتضنت العطر ، قال لنفسه: لاتسكبي كل عطرك ؛ ربما يضيع الشذى فى أحضان الصقيع أو في دفء اللهب ، لاتوجد مساحة كافية ليهرق فيها العطر ، هناك قفار تكاد تخلو من آثار الظباء الدارسة أو ركض الأرانب الخائفة ، كيف يعدو في قفار موحشة بلا ماء أو عبور سحابة بعيدة تُبعد عنه مرارة التعب ، العطر الذي يحتفظ به لا يريد للشمس رؤيته أو صفعه بأشعتها فيموت احتراقًا، ما أقسى أن تجود بأنفاسك في فوهة بركان يقذفك بالحمم ! هكذا تقول نفسه؛ فالأريج الذي يختبئ بين أضلعه لم تولد حبيبته بعد ، هناك فاتنات خرجن بحياء وعلى رؤوسهن أردية الطهر ومن بين أعينهن لحاظ الألق والحب ولكن الخوف من المغامرة جعل غطاء العطر في منأى عن إزاحته من على فوهته ، حان موعد الغروب، غربت الشمس ، شمس العمر الذي أمضاه لاهثًا ، لم يعد للعطر عنده معنى، رائحة الزجاجة الأسطورية تكاد تلفظ أنفاسها وأنسامها ، يمضي العمر ومعه الرائحة الخالدة ، غادرت التي كان ينتظرها عندما علمتْ أن أريج أحضانه تشظى كالزجاجةوفعلتْ فعلَ الأضلعِ الناتئة التي أنهكها الوهن .