محمد الرياني
كأنَّه منامٌ وليس غيره، على الرغم من أنني مدركٌ لما يجري ولستُ في حالةِ إغماء أو لحظةِ هذيان ، ومع هذا سارعتُ لأتحسسُ عينيَّ لأتأكدَ من أنني بخيرٍ وأنهما في كاملِ إبصارهما، لم يصدر شخيرٌ وقتَ هذه الحالةِ الغريبة، أوَ ليسَ بعضُ الناسِ قد يسمعون شخيرَهم المستفز فيسرعون لكتمِ أنفاسِهم أو فركِ أعينهم كي يستعيدوا حالة اللاتوازن؟ لقد فعلتُ ذلك كي أتأكدَ من أنني على مايرام، لم أصدِّقْ مايجري أمام ناظري، مدتْ إليَّ يدَها كي تقول لي “سلامات” ، كرَّرتْ مدَّ يدِها، أعادتْ عبارةَ السلامة وأنا لازلتُ غيرَ مصدق، أعدتُ ترتيبَ وضعي، ملابسي المبعثرة حول جسدي وكأنها قد صادفتْ عراكًا غير متكافئ، اعتدلتُ في جلستي لأردَّ عليها، قلتُ لها لم أصدِّقْ أنني بخيرٍ أو في حالةِ العافيةِ حيث رأيتُ عجبًا، استغربتْ من ذهولي، قالت لي : إنها ليستْ شيئًا مستحيلًا حتى أراها شيئًا إعجازيًّا، أقسمتُ لها بأنني لم أكن أصدقْ أن أراها حتى في الأحلام، أو من خلالِ عرسٍ أسطوريٍّ تمَّ تداوله ، ابتسمتْ وكأنها قطعةٌ من القمرِ البهيِّ ولايزالُ في داخلي كلُّ الذهول، دعتْني لأغسلَ وجهي من البحرِ القريبِ بعد أن أمشي إليه حافيًا، جلتُ ببصري حول المتجمهرين الذين تركوا صغارهم يسبحون بلا رقيب وينظرون إلى أجمل فتاة على الشاطئ، فعلتُ وألقيتُ بجسدي بين الماءِ المالحِ لأطردَ كلَّ حالاتِ الشك، ضحكتْ بروعةٍ وهي تصفقُ لي، بعد أن اطمأنتْ بأنني قد فعلتُ الشيءَ الذي يرضيها سارعتْ نحو حقيبةٍ قد وضعتْها على الرملِ الأبيض، رمتْ نحوي بمنشفةٍ بحريةِ اللونِ كزرقةِ الماء الذي اغتسلتُ منه، ظلتْ تُركزُ على شعرِ رأسي الأسود الذي امتصَّ الماءَ والملح، اختارت اسمًا وهميًّا ونادتْني به كي تصرفَ الأنظارَ عنا ، أوعزتْ لي بأن أبتسمَ وأزيلَ من على ملامحي الاكتئاب، عدتُ إلى مكاني لأستعيدَ بعضَ الأنفاسِ بينما الهدوءُ يخيِّمُ على المكان، قلتُ لها : ليتَ الليلَ يطردُ الشمسَ ليتأخر المغيب ، حركتْ عينيْها بحياء وهي تودعني ، تفحصتُ نفسي جيدًا، أغمضتُ عينيَّ أكثر، فتحتُهما باستدارةٍ أوسع، وجدتُ الليل يهرولُ قبلَ أوانه، نهضتُ كي أركضَ خلفها لألحقَ بها، حجزَ بيني وبينها الظلام، اجتازتِ الفاصلَ بين الشارعِ والشارعِ وغابتْ عن ناظري، عدتُ لأجدَ ريحَ كفيْها على المنشفة، بقيتْ صورتُها في رأسي، تأكدتُ تمامًا أنَّ هناك حالةً جديدةً غيرَ النومِ والإغفاءةِ والحبِّ جلبتْها معها، شككتُ بأن البحر أغرقَ عليَّ شيئًا وأنا أغتسلُ فيه بأمرها.